حوارات

حوار مع الدكتور / معز دريد المدير العام لإدارة التنسيق فى هيئة الأمم المتحدة للمرأة – أجري الحوار/ أمجد مكي

لقد جسدت مصر عبر العصور والأزمان نبؤة المؤرخين من أن مصر بحكم موقعها وظروفها فإنها أتاحت الفرصة لكل من يولد علي أرضها أن يكون نموذجا متميزا في العطاء .
فالذين سافروا وهاجروا وطافوا بلاد العالم من أبناء مصر ربما تعددت ظروف سفرياتهم وترحالهم لكنهم جميعا إشتركوا في رسم صورة ذهنية لأبناء مصر في الخارج ، في مجالات الحياة المتعددة .. وأبدع المصريون في شتي فنون العلم والمعرفة .

والإنسان تعود علي أن يكون دبلوماسيا في كل المواقف .. بمعني أن يجيد التعامل مع الآخريين وليقدم لنفسه ولبلده صورة ذهنية تبهر العالم .. فإذا كان هذا الحال بالنسبة للإنسان والمواطن العادي .. فبالتأكيد فإن الذين يعملون في المجال الدبلوماسي لديهم إمكانيات وقدرات ومسؤليات ترقي لأن تكون هي الإطار الذي رسم وحدد الصورة العامة المتميزة للدبلوماسية المصرية حول العالم .. فكثير من خبرائنا وسفرائنا ودبلوماسينا والعاملون في المؤسسات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة .. والذين أثروا بخبراتهم وعطاءهم العمل العام علي المستوي الدولي … وهذا ليس بكثير علي أبناء مصر الذين قدمت لهم بلدهم كل الإمكانيات الخاصة بالتعليم والتنشئة .. فعندما إنطلقوا للعالمية كان ولايزال لهم أمل وقد تحقق .. الأ وهو أن يجيدوا أداء المهام التي وكلت إليهم وأن يرفعوا إسم مصر عاليا بين الأمم .. وإننا هنا في هذا الحوار الصحفي المتميز الذي تسعد وتتشرف الجريدة بإجراءه مع الدكتور/ معز دريد المدير العام لإدارة التنسيق فى هيئة الأمم المتحدة للمرأة .
لنفخر ونعتز بأن نضيف نجاح وتميز الدبلوماسية المصرية في كافة المواقع والميادين … إنه لمن دواعي سرورنا وإعتزازنا أن نتيح للقارئ الكريم أن يتعرف علي شخصية فريدة مصرية عربية عالمية متميزة .. لديها من الخبرات والتجارب في الحياة العملية مما أضاف كثيرا لإسم مصر في المحافل الدولية .

وهذا هو نص الحوار :

س١ـ دكتور معز دوريد المدير العام لإدارة التنسيق فى هيئة الأمم المتحدة للمرأة تسعد جريدة المستقبل أن تجرى معكم هذا الحوار و تود فى البداية أن تقدم دكتور معز للقارئ فهل تتكرم أن تحدثنا عن شخصك الكريم و عن سفرياتك و عن الأماكن التى خدمت فيها حتى وصلت إلى هذا المنصب الرفيع ؟

ج١ـ أنا مصرى و أفتخر بمصريتى من مواليد الأسكندرية و تعلمت ونشأت فى حى المعادى بالقاهرة ، و فى أماكن أخرى من العالم .. وحصلت علي درجة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية بالقاهرة تخصص إقتصاد ثم التحقت بوزارة الخارجية المصرية أواخر الثمانيات وبعدها حصلت علي منحة لدراسة الماجستير بدراسات التنمية و الإدارة العامة بجامعة هارفارد .. و من ثم إلتحقت ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائى حيث عملت لمدة ١٧ عاما فى المركز الرئيسى فى نيويورك و فى المنطقة العربية وقارة آسيا.
و فى هذا النطاق ساهمت كأحد مؤلفى تقارير التنمية البشرية العالمية أعوام ١٩٩١ ـ ١٩٩٥ ثم ١٩٩٨ و أيضا عملت كمنسق و أحد مؤلفى تقرير التنمية الإنسانية العربى الأول الصادر عام ٢٠٠٢ كما أدرت مكتب الUNDP يغطي المنطقة العربية ومركزه بيروت وأثناء ذلك حصلت علي درجة الدكتوراه في الإقتصاد وكان من آخر المراكز التي احتلتها فى ال UNDP هو منصب المنسق الإنسانى لعمليات الآغاثة فى المالديف بعد كارثة تسونامى عام ٢٠٠٤ ثم المنسق المقيم للأمم المتحدة في دولة الكويت ثم عملت فى صندوق الأمم المتحدة للمرأة كنائب للمدير التنفيذي وبعدها في هيئة الأمم المتحدة للمرأة حيث أشغل منصب المدير العام لإدارة التنسيق و عضو الأدارة العليا للمنظمة .

س٢ـ على الرغم من إحراز حقوق كثيرة للمرأة العربية إلا آنها لاتزال تعانى كثيرا فى المجتمع العربى من إنتقاص من حقوقها فما هو السبب فى هذا؟

ج٢ـ المرأة العربية تواجه بثقة وقدرة تحديات جسيمة فى الوقت الراهن و لا تزال حقوقها مهضومة في نواحي متعددة و تحاول الإلحاق بأخواتها ليس فقط فى العالم المتقدم و لكن أيضا فى العالم النامى و فى دول أكثر فقرا من دولنا العربية .. و مع إدراكنا للمشوار الطويل و التحدى الكبير أمام المرأة العربية للحصول على حقوقها كاملة و تفعيل تلك الحقوق يجب أيضا ان نعلم أن المرأة العربية خلال الخمس عقود الماضية حققت تقدما باهرا بالأخص فى تنمية قدراتها من خلال التعليم و الصحة ، و إذا قارنا بين مسيرة تقدم المرأة العربية و مثيلاتها فى دول العالم الآخرى نجد أن تقدم المرأة العربية فى مجالات التعليم و الصحة فاقت معدلاته مناطق العالم الآخرى .
و لكن المشكلة أن المرأة العربية بدأت تلك المسيرة من مستوى متدنى و لذلك على الرغم من سرعة التقدم لا تزال فى مستوى منخفض بالأخص فيما يتعلق بإستغلال إمكانيتها فعلى سبيل المثال لا تزال نسبة مشاركة المرأة العربية فى سوق العمل أقل منها في اقاليم العالم الآخري و نسبة تضررها بالبطالة أعلى من أقاليم العالم الآخرى .
و أيضا من ناحية الحقوق و القوانين فنجد أنه على الرغم من أن الدول العربية قد صدقت رسميا على المواثيق و العهود الخاصة بحقوق المرأة إلا ان تفعيل تلك العهود الدولية لا يزال ناقصا سواء فى التشريعات الوطنية وبالأخص فى الممارسات الواقعية و الأسباب ترجع إلى :

١ـ المواريث التقليدية
٢ـ عدم أستيعاب قيمنا الثقافية التقدمية و فى هذا الصدد يجدر الذكر أن الدين الأسلامى الحنيف قد سبق الغرب بأكثر من ١٢٠٠ عام فى ضمان حق المرأة فى العمل و فى الملكية و فى الميراث
٣ – نقص الأرادة السياسية و عدم وجود أنظمة للمحاسبة (accountability ) لسجل الحكومات فى تفعيل القوانين و ضمان الحقوق

س٣ـ لماذا يهضم حق المرأة بصفة عامة فى العالم على الرغم من أنها تستحق حقوق كاملة ؟

ج٣ـ هناك أسباب متراكمة كثيرة لذلك تاريخية و ثقافية و إقتصادية و إجتماعية وبالطبع سياسية .. فالمرأة عالميا و فى جميع دول العالم بلا إستثناء بما فيها دولنا عانت من عدم المساواة فى الحقوق و الأمكانيات و الفرص بالمقارنة بالرجل ولا يزال التمييز ضد المرأة يشكل أكثر أشكال التمييز و الإضطهاد إنتشارا فى العالم ، و بينما نجحت الحضارة الإنسانية فى القضاء على العبودية فى القرن ال١٩ و القضاء على الأستعمار و الشمولية فى القرن الماضى لا تزال تكافح من أجل القضاء على ذلك الشكل من التمييز الأوسع إنتشارا و هو ضد المرأة و من ركائز هذا التميز سواد وسطوة الفكر و الهياكل الأبوية ، التى تعطى للرجل السلطة و السيادة و تبدأ المشكلة منذ الطفولة و بطريقة تربية الأولاد و البنات و تنتشر فى قيم و هياكل و مؤسسات المجتمع و لكن الأمل الآن من خلال عمل منظمات مثل المنظمة التى انتمى لها و تعاون الدول و الحكومات هو القضاء على ذلك الشكل من التمييز الأوسع إنتشارا .

س٤ـ ما رأيكم على تأثير ثورات الربيع العربى على المرأة العربية و التحديات الجديدة التى يطرحها التغير السريع بدولنا و مجتماعتنا ؟

ج٤ـ بالطبع فإن التغير السريع و المضطرب الذى تشهده كثير من مجتماعتنا و دولنا العربية يطرح فرص و تحديات أمام المرأة العربية أبدأ أولا بالفرص بطرح عينة مما يطرحه هذا التغيير ، فمع بلوغ ما قد يكون فجر لديمقراطية حقيقية فى بعض الدول يفتح ذلك الباب أمام مشاركة فعالة و ناجزة للمرأة العربية فإذا نجحت الدول العربية التى تشهد تغيير و غيرها فى إنشاء نظام ديمقراطى حق فسوف يعطى ذلك للمرأة العربية الفرصة فى المشاركة السياسية سواء بفعلها أو ريادتها و قيادتها .
و إذا حدث ذلك الحلم سيكون تغييرا كبيرا مقارنة بالماضى حيث سمحت معظم الديكتاتوريات العربية للمرأة بمشاركة صورية إنعكست على أعداد من النساء فى مناصب تنفيذية أو تشريعية و لكن كان ذلك وجود إسمى و صورى في مناصب مماثلة كوجود إخوانهم الرجال في مناصب مماثلة بلا أثر

إن إقامة ديمقراطيات حقيقية سيساهم فى ضمان تمكين حقيقى و مشاركة حقيقية للمرأة فى السياسة و المجتمع.

و الفرصة الثانية تكمن في الإنفتاح الأعلامى الذى واكب حركات التغيير العربية خلال الثلاث سنوات السابقة ممايسمح بتسليط الضوء على مشاكل طال إخفائها أو الإقلال من أهميتها من قبل الأنظمة السابقة و من ضمن تلك المشاكل العنف ضد المرأة و التحرش الجنسى .

و هناك أمل أن تتمكن المرأة و المنظمات العربية المناهضة للإضطهاد من استغلال هذا الأنفتاح الأعلامى فى نشر الوعى حول تلك المشاكل الموجودة فى كل مجتمع والتى تستوجب رد فعل حازم و حاسم .

ننتقل إلى التحديات التى يطرحها التغيير السريع فى المنطقة العربية بما فى ذلك التغيير السياسى من تلك التحديات انه بزوال الأنظمة العربية السابقة فقدت المجتمعات محرك فعال عمل على تأسيس حقوق المرأة لأغراضه الخاصة .. فالأنظمة العربية نفسها دفعت علي سبيل المثال : بقانون الخلع و زيادة نسبة المقاعد البرلمانية المخصصة للمرأة فى مجلس الشعب المصرى .

و السؤال و التحدى الذى يطرح نفسه هل ستستطيع القوة التقدمية فى الدول العربية المتأثرة بالتغيير هل ستستطيع الإستعاضة عن ذلك المحرك السابق واستبداله بطلائع سياسية و مجتمعية تعمل على تأسيس و تفعيل حقوق المرأة .

والتحدى الآخير و هو الأهم الذى يواجه المرأة العربية يتعلق بصعود تيار الأسلام السياسى و إختصار تفسير العديد من تطبيقاته للموروث الدينى على تفسيرات ميالة للرجعية تتجاهل ثراء و تقدمية هذا الموروث الدينى .. و هناك خطر حقيقى من سيطرة هذه التفسيرات الرجعية بما يتنافي مع شرائعنا الدينية فى كثير من الجوانب المتعلقة بالمرأة و المجتمع .

س٥ـ ما هو تعريف سيادتكم للتنمية البشرية ؟

ج٥ـ التنمية البشرية أيضا يطلق عليها التنمية الإنسانية (human development ) تعرف بأنها عملية زيادة خيارات البشر بما يتوافق مع قيمهم و تطلعاتهم و تغطى التنمية البشرية تنمية إمكانيات الإنسان من خلال الصحة و التغذية و التعليم ومستوي الدخل والتشغيل وإستخدام هذه الإمكانيات من خلال المشاركة السياسية و الأقتصادية ( العمل و الإستثمار ) و الثقافة ، والتنمية البشرية هى وسيلة و غاية فى نفس الوقت فزيادة خيارات البشر هدف فى حد ذاتها و أيضا و سيلة لمزيد من إثراء حياتهم و مجتماعتهم و لا يجب الخلط بين التنمية البشرية و تنمية الموارد البشرية فالأخيرة تختص بشق زيادة الإمكانيات فقط و ليس إستخدامها ، والموارد البشرية كالنظر للإنسان كأداه ووسيلة وليس كغاية و مراد .

س٦ـ ما مدى ثقة الجمهور بعلم التنمية البشرية و لماذا هناك شك لدى بعض من الناس حول قدرة التنمية البشرية على إحداث تغيير فى العالم فالبعض يراها أنها الخلاص للبشرية من مشاكلها و البعض الآخر لا يراها كذلك فما هى المعوقات التى تواجه علم التنمية البشرية و القائمين على تدريب هذا العلم ؟

ج٦ـ بينما أيقن أن هناك قدر كبير من الدراية و الخبرة لمتطلبات ووسائل التنمية البشرية لست على نفس القدر من اليقين بسمو الموضوع إلى مستوى العلم نظرا لأنه هناك العديد من المتغيرات التى تؤثر على التنمية البشرية من خصوصيات الدولة المعنية إلى المشكلات التى تواجها إلى المحددات أمام صانع القرارإلى آخره .

وإذا نظرنا اإلى التاريخ الحديث نجد أن الدول التى سلكت طريق التنمية البشرية من خلال الإستثمار فى التعليم و الصحة ثم أزالت الحواجز و المعوقات من أمام زيادة التشغيل و العمالة تلك الدول مثل دول شرق آسيا نجحت فى زيادة خيارات مواطنيها و الوصول إلى قدر كبير من التقدم والتحديات التى تواجه تفعيل مفهوم التنمية البشرية هى تحديات سياسية فى المقام الأول .

فبالنسبة لصناع القرار كثيرا ما يفيد العائد من إستثمارهم فى التنمية البشرية قطاعات من المجتمع مثل الطبقات الفقيرة ليس لها نفوذ سياسى كافى و بالتالى يفضل السياسيون صانعوا القرار إفادة طبقات مجتمعية أكثر تأثيرا مثل النخب و الطبقات الوسطى بما يتعارض مع توجه التنمية البشرية الذى يعطى أولوية للطبقات الأفقر و لزيادة المساواة و العدالة الأجتماعية و أخيرايظل هناك تحدى وهو تطبيق الخبرة و المعرفة العالمية عن التنمية البشرية علي المستوى القطرى نظرا لخصوصيات كل دولة .

س٧ـ ما هو دور الأمم المتحدة فى التنمية البشرية و هل تقوم هيئة الأمم المتحدة بدور فعال فى هذه التنمية و ما هى الإنجازات التى قامت بها هيئة الأمم المتحدة حتى الآن فى هذا المجال ؟

ج٧ ـ للأمم المتحدة أدوار متعددة الجوانب فيما يختص بالتنمية البشرية لا يسع الوقت للتعرض لها كلهم و لكن إختصارا من الجوانب الهامة لدور الأمم المتحدة دعم الدول الأعضاء فى عقد الإتفاقات الدولية التى تحدد القيم و الأعراف والألتزامات الخاصة بحقوق الإنسان و التنمية كأهداف الألفية فهذا الدور المتعلق بوضع المواثيق و الأعراف دور فى منتهي الأهمية يتجسد بأكثر من ٨٠ معاهدة و إعلان عن حقوق الإنسان بما فيها مايتعلق بمجال عملي الحالي كالعهد الدولى للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة ثم تقوم أيضا منظومة الأمم المتحدة بدور عملى فى دعم و مساعدة الدول الأعضاء فى تفعيل تلك المنظومة من المواثيق و الأعراف و على سبيل المثال تقوم الأمم المتحدة كل يوم بمحاربة الفقر من خلال مساعدة ٣٧٠ مليون نسمة فى المناطق الريفية و دعم الصحة الأنجابية بما ينقذ أكثر من ٣٠ مليون إمرأة كل عام و توفير الغذاء ل٩٠ مليون نسمة فى ٩٥ دولة و تعبئة أكثر من بليون دولار سنويا لمواجهة الكوارث و دعم الدول لتحقيق أهداف الألفية و تفعيل ما أتفق عليه فى بيكين وتلك أمثلة لدور الأمم المتحدة العملي(operational )

وفي نهاية هذا الحوار فإننا بإسم مجلس إدارة الجريدة نتوجه بالشكر للدكتور / معز دريد شاكرين له إسهامه في التفاعل معنا عبر هذا الحوار ومقدرين مدي إهتمامه في أن يقدم مالديه للقارئ العربي تقديرا منه لما يؤديه الإعلام العربي في المهجر من رسالة سامية .. وأيضا تحفيزا لجيل الشباب من أبناء مصر أن يضيفوا إلي مداركهم ومعارفهم بعض خبرات وتجارب دبلوماسي يحب بلده وأبناء وطنه .

رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق