تحليلات سياسية
مصر إلى متى… و إلى أين… ؟! مصطفى قطبي
سؤال مشروع ومحق يسأله الجميع... إلى متى، وإلى أين مصر ذاهبة، وماذا ينتظر الشعب المصري، وماذا عليه أن يفعل؟! وهل على الشعب أن يقبل ويصدق أن ما جرى ويجري هو فقط مؤامرة خارجية على مصر، ونتغافل ونتناسى أن هناك عوامل داخلية أشد خطورة بآلاف المرات من المؤامرات الخارجية على أرض الكنانة، أبطالها الحقيقيون هم الفاسدون والمفسدون والذين صاروا كثيرين جداً، والذين هم أدوات للمفسدين أصحاب ثقافة الفساد؟!
والفاسدون هم كل من لا يفكر إلا بنفسه ومصالحه الخاصة ومنفعته الشخصية من أين ما أتت، فهم المرتشون والتجار المستغلون والمخربون والقتلة المأجورون والعابثون بأمن وطنهم، والموظفون النفعيون والمحققون الأخصام. هم كل من ساهم بخلق حالة الاحتقان بفساده وإفساده وإهانته لكرامة مواطن مستغلاً منصباً كان فيه. هم كل من فهم الوطنية أنها نفاق وتملق للرؤساء، وفهم أن منصبه تميّز واستثناء وليس مسؤولية وأمانة. هم كل تاجر سارع لشراء الدولار والذهب، ورفع أسعار مواده المستوردة بحجة أن الدولار ارتفع سعره، على الرغم من أن الكثير من مواده المستوردة كانت في المستودعات. هم كل مسؤول يحاضر بالفساد والإفساد ولا يزال يمارسه. هم كل مسؤول وعضو مجلس شعب اقتنع أنه وطني على طريقته الخاصة وتغافل عن سماع صوت الشعب، وهو على الفضائيات فقط يمثل الشعب، وفي الواقع هو لا يمثل إلا مصالحه الخاصة. هم كل مسؤول يمارس الإصلاح من مكتبه وفي اجتماعاته مع مرؤوسيه واستقباله للمواطنين استعراضياً ليقال عنه: إن أبواب مكتبه مفتوحة. هم كل محقق مارس ظلماً وقهراً وعنفاً، وكان خصماً غير نزيه في تحقيقه، وهم كل قاض ازدرى متهماً ولم يكن عادلاً في حكمه أو محاكمته. وهم… وهم… وهم… وهم أخيراً وليس آخراً، كل من يحب نفسه ولا يحب وطنه. أما المفسدون أصحاب ثقافة الفساد والإفساد، فهم المؤامرة الحقيقية، وهم المخربون الحقيقيون، وهم من أوصل مصر إلى ما وصلت إليه. ومع اعتراف الجميع بوجود مؤامرة خارجية لإلغاء دور مصر القومي والعروبي، وأكبر دليل عليها الإعلام الفاجر غير السياسي الذي تقوده قطر، والحرب القذرة اللاأخلاقية التي يموّلها، والتي للأسف الشديد أدواتها أكثرهم من أبناء مصر العاقين، فقد دخلت إلى المجتمع المصري ثقافة العنف الفاجر، حيث تغلبت هذه الثقافة على ثقافة محطات الأكشن، ثقافة العصابات الإرهابية، قتل الأبرياء وإحراق المساجد والكنائس… والخشية أن تنتشر أكثر من ذلك، والأخطر هو أن تجد ثقافة الكره والتكفير من طائفة الأخوان إلى كل الطوائف مكاناً لها في مصر، وإن كانت قد انتشرت في مناطق، ولكن وحتى تاريخه لم تعمم، ونرجو الله ألاّ تعمم. نعود ونتساءل سؤالاً مشروعاً جدا: من المسؤول، وإلى أين مصر ذاهبة، وإلى متى على الشعب المصري أن ينتظر، وماذا عليه أن يفعل؟! نعلم أن أمريكا وإسرائيل وكل الدول الغربية تتبدل مواقفها حسب مصالحها، فهي قد تكون صديقة في مرحلة ما، ”وطبعاً أستثني إسرائيل” وعدوة في طور آخر، وتصرفها يكون حسب مصالحها، وهي طبعاً شريك حقيقي في التخريب والدمار، ولها أهداف بإلغاء دور مصر المؤثر، ولا نقدر أن نلومها كما نلوم مواطناً مفسداً أدخل السلاح إلى مصر، وهان عليه كل شيء، وباع وطنه مقابل المال. ولا نقدر أن نلوم الخارج أيضاً، كما نلوم مسؤولاً سرق أموال الدولة ليبني قصوره في الوطن وخارجه، ويظهر كبطل من ورق على الفضائيات المأجورة، ليتحدث عن آلام الشعب ويقول: إن الشعب صار يأكل من القمامة! ولا نقدر أن نلومها أيضاً كما نلوم مسؤولاً نسي أنه من الشعب ومارس كل أشكال القهر والظلم على الشعب، وخلق حالة احتقان كثيرة لدى الكثير، وللأسف الشديد الكثير من هؤلاء لديهم ثقافة الانتقام، وعندما وجدوا من يحرّضهم ويجندهم، مارسوا ثقافة العنف والانتقام بأبشع أشكالها. وأما إلى أين مصر ذاهبة؟!... فهذا سؤال جداً صعب جوابه، ولكنه حتماً موقوف على ما يجب أن تقوم به الدولة، ما يجب أن يفعله المواطن. والمطلوب الأول من الدولة، إعادة حالة الأمن والأمان إلى مصر، وليس المهم الآلية، وليس مهماً ما سيقوله العالم الغربي والعربي، فهم سيقولون في كل الأحوال ما يريدون قوله، وطبعاً ليس على الدولة أن تنتظر من أصحاب المشروع الأخواني الدولي أن يتراجعوا ويندموا على مواقفهم ويعتذروا من الدولة والشعب، ويعترفوا بأنهم حرضوا وجندوا وخططوا و… و… فهم سيستمرون في مخططاتهم أكثر فأكثر، لهذا لن يسامح الشعب الدولة إذا لم تجد حلاً لحالة عدم الأمن والأمان، وهذا الأمر يجب أن يكون ليس سريعاً فقط، بل بغاية السرعة والتسارع، فكل يوم تزيد الأزمة وتتعمق أكثر فأكثر. وطبعاً لست بوارد أن أعلّم الدولة كيف عليها أن تتصرف، والمطلوب الثاني من الدولة والذي هو في غاية الأهمية أيضاً، هو ثورة إصلاح حقيقية، وليست مسيرة إصلاح بطيئة، يلمس مفاعيلها كل مواطن ومشاهد من الداخل والخارج. ثورة إصلاح أول أفعالها وأعمالها، هو القضاء على مظاهر الفساد العامة، فكما المطلوب من الشعب أن يتحمل انقطاع الكهرباء والمحروقات وغلاء الأسعار، وأن يقدّر ظروف الدولة، ولكن هي بالوقت نفسه عليها ألا تكافئه بإهماله وانشغال المسؤول عن حاله وأحواله، وتبقي على مظاهر إفساد الكثير من المسؤولين أوالمتنفذين أو ممن يدعون أنهم من أصحاب الخطوط الحمراء، فإن تقطع الكهرباء في حي كامل فيه أحد من يعتقد أنه من أصحاب الخطوط الحمراء، وينير بناءه كاملاً غير مهتم بأمر وآخر ما يفكر فيه هو الوطن، فهذا مشهد فساد يثير الحنق في النفوس. وثاني مظاهر الإفساد… أن تصطف سيارات أحدهم الفارهة جداً أمام بنائه وفي الشارع العام، وهذا الأحد هم طبعاً غير المسؤول لديه مرافقة ومفرزة وحرس و… و… وثالث مظهر إفساد وفساد، هو الواقع المروري، كأن يركب أحدهم سيارة فارهة ومكيفة، لهذا صار من حقه أن يقف في منتصف الطريق ليتحادث مع صديقته أو رفيقه، ويزعجه جداً إن اعترض من وراءه وأخطأ وأصدر صوت منبه السيارة. وثاني مفاعيل ثورة الإصلاح، هو المشاركة الحقيقية والفعلية بالسلطة التنفيذية ولكل أطياف الشعب سلطة ومعارضة وطنية ومتضررين ومهمشين، وأخص المتضررين والمهمشين من حالات الفساد، وأن يكون المعيار الأوحد لشغل أي منصب هو الكفاءة، وطبعاً المقصود بالكفاءة هي الأخلاق والعلم والمعرفة والثقافة والتضحية، والأهم محبة مصر والولاء لها. وثالث مفاعيل الإصلاح، هو المحاسبة الفورية والسريعة جداً لكل الفاسدين والمفسدين والسارقين لأموال الشعب، والعمل على فتح كافة ملفات الفاسدين والمفسدين البائتة والجديدة، والعمل على إعادة كافة الأموال المسروقة من مال الشعب إلى الشعب، ولا يجوز للدولة أن تسامح أياً كان بمال الشعب، فهو ليس حقها ولا يحق لها أن تتنازل على ما لا تملك، وأيضاً غير مسموح للدولة أن تتسامح وتعفو عن حرق مؤسسة حكومية عامة أو معمل قطاع عام، وأن يكتفى بأن يسجل هذا الحريق ضد مجهول، وأن السبب كان ماساً كهربائياً، ولنتخلى عن نظرية أصحاب الخطوط الحمراء الذين لا يجوز سؤالهم أو مساءلتهم، فمصر أكبر منهم، فهم زائلون ومصر باقية. ورابع مفاعيل ثورة الإصلاح، هي ثورة حقيقية في آلية عمل المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، فلأنها سلطة، وإن لم تكن سلطة محاسبة فهي سلطة رقابة وإعلام، وليس عليها أن تكون إعلاناً فقط، تتحدث عن إنجازات ذلك المسؤول وما قدمه للشعب ولمصر، وتنسى ما فعله المسؤول الآخر من فساد وإفساد، وتستقبل على شاشتها ما تسميهم النخبة من محللين ومثقفين ومسؤولين على اختلاف أنواعهم، وطبعاً كلهم من لون واحد، فالشعب ليس هم فقط، وإعلام الدولة لا يجوز أن يكون ملكاً لأحد، فهو لكل الشعب وعليه أن يتحاور ويحاور كل شرائح الشعب. وطبعاً من أهم مسؤوليات الإعلام هي الإعلام عن الفاسدين والمفسدين والمقصرين أياً كانوا، لهذا صار لا بد من أن تكون هناك برامج خاصة وكثيرة تعنى بفتح ملفات الفساد، وعلى مختلف أنواعها ودرجاتها وفي كافة مؤسسات الدولة، والمطلوب الكثير والكثير، ولكن الفعل قليل وقليل وقد يكون معدوماً، فالشعب ملّ من الحديث عن المؤامرة الخارجية ”وإن كانت حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها”، وصار ينتظر الحديث عن المؤامرة الداخلية وأبطالها الخونة. ولأن الوضع أصبح خطيراً جداً جداً، والشعب لم يعد يحتمل القتل العشوائي وحرق الممتلكات العامة والخاصة، لهذا صار لا بد أولاً وكما أسلفت من حسم حقيقي وفعلي للحالة الأمنية حتى لا يبادل العنف بعنف أشد، والخاسر الوحيد وقتها هي مصر الوطن فقط. ومع كل هذا ما زال هناك أمل، وإن أرادت الدولة أن تفعل الكثير، فهي قادرة وعليها أن تفعل الكثير، وإلا لن نعرف إلى أين مصر ذاهبة، وإلى متى على الشعب المصري أن ينتظر السادة المسؤولين وهم في مكاتبهم يحاربون الفساد والفاسدين ويدّعون الإصلاح وهم بعيدون كل البعد عن معاناة الشعب الحقيقية، ويكتفون وكما ذكرت باستقبالات استعراضية للمواطنين حتى يقال عنهم: إنهم من أصحاب المكاتب المفتوحة. |