هل يكون عام 2019 بوابة عالم بلا فِتَن؟! مصطفى قطبي

عام مضى ولفظ أنفاسه الأخيرة، وحل عام جديد، إلا أن عام 2018 الذي ذهب كان عاماً شديد القسوة على الشعب العربي في عدة بلدان. إنه عام التعذيب الشعبي الذي اتخذ شكلا درامياً سيتجاوز بمئات المرات أي ملحمة قد تكتب عن عام بلغ فيه الضجيج أقصاه، ووصلت الحرائق فيه إلى النفوس قبل أن تبلغ أي مكان آخر، وأن هذه النفوس التي تستعيد اليوم أنفاسها ستجد نفسها بعد مدة ليست بقصيرة أن ما دفعته من أجل غدها وما وعدت به لم يحصل وقد لا يحصل، حيث جميع العوامل تؤكد المسيرة السائرة نحو غايات مختلفة، لأن من خطط وموَّل أراد شيئاً آخر لتلك الشعوب المسكينة التي صدقت الدعوات، بعدما اخترقها الإعلام مثل رصاصة مرت قرب الرأس لم تقتل صاحبه لكنها خلخلته.

فمن بلاد الشام إلى بلاد الروهينقا، مروراً بالعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس… يغص المشهد بألوان الدم والدخان، وبالقتل والحرائق وبيارق الفرق المتناحرة… وتضج الأنفس بالشكوى من أشكال الظلم والقهر والجوع والرعب، ومن انحطاط أخذ يتفشى ويتفتق عن مكائد وسموم في سياسات وكتابات ووسائل إعلام بلغ بعضُها درجات من التحلل والانحلال والتهافت والتهالك على الصغائر والمهالك..

اليوم، فالخراب الذي ينتشر في دول ما يسمى ”الربيع العربي” يوضح أن ما شهدته وتشهده ليس بثورات وإنما تآمر مفضوح يهدف إلى تهديم المجتمعات العربية وتفكيك روابطها، والعودة بها إلى الدرك الأسفل من مراحل تطور البشرية، ومن ثم تكريس الاستباحة الأمريكية والإسرائيلية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. فعندما تخسر المجتمعات أمناً يؤمن لها أيامها ولياليها ليصنع لها صحة جيدة، فإن عليها أن لا تثق بمؤسسات ودساتير وقوى نظامية، وبالتالي مستقبلا لا مستقبل له.

وضوح العام الذي مر يأخذنا إلى مرحلة أخرى أعتقد أنها تخطت الممولين والمخططين والمراهنين، وهو أن قادة سقطوا لكن شعوباً لم تسقط، فهل المطلوب في مرحلة لاحقة إسقاط الشعوب كي نأمن التاريخ بكل أبعاده المقبلة. ثم إن هنالك قادة وشعوباً لم يسقطوا فهل بإمكانهم إسقاط التاريخ والحاضر والمستقبل؟ هل يمكن الاعتداء على التاريخ كي نسقطهم جميعا لتحقيق غاية أو غايات…؟

الأمة العربية كلها اليوم مستهدَفة باستهداف أقطار من أقطارها، أو فئات منهم داخل أقطارهم، وما يحدث في الدار، ينتقل للجار… وهكذا وهكذا… فالحبلُ على الجَرَّار. النار اليوم في سوريا وفي العراق، وفي اليمن، وفي ليبيا… وغداً، وغداً؟! اليوم وغداً، فلا ندري على من سيكون الدّور غداً.

لقد غاب ـ أو يكاد ـ العقل السياسي العربي، وغابت معه لغته وفطنته وحضاريته وفاعليته، فيما اكتظت المنابر والميادين والفضائيات بالخطابات الغوغائية، والفتاوى التكفيرية، والثقافات البدائية، والجماعات الإرهابية المتعطشة للدم، والمتفرغة للقتل والذبح، والمتخرجة من مسالخ تنظيم القاعدة الذي استعاد سيرته الأولى في خدمة المشاريع والمخططات الأمريكية والصهيونية، وبات يشكل مع أفرعه وأذرعه المتناسخة (جبهة النصرة، داعش، الجبهة الإسلامية…) خطراً داهماً على الأمن القومي برمته والمستقبل العربي بأسره.

أما أسباب هذه الحالة العربية المتردية جداً فهي متعددة وواضحة ومنها على سبيل المثال:
ـ مخطط التجزئة والتفتيت الذي ضرب الأمة العربية بعد الحرب العالمية الأولى ومن ثم بعد الحرب العالمية الثانية، وما تبع ذلك من تبعية مطلقة للعديد من الدول العربية للخارج من النواحي السياسية والاقتصادية.

ـ الاستعمار بشكليه القديم والجديد الذي يبحث بالشمعة ـ كما يقال ـ عن أي ثغرة ينفذ منها لزيادة الانقسام العربي، ”وما أكثر هذه الثغرات” مع كل أسف…

ـ الأنظمة العربية الاستبدادية التي رعت وأنتجت حركات متطرفة مثل الوهابية التكفيرية وغيرها تشوه الدين والجوانب الناصعة من حضارة العرب والمسلمين.

إثارة النزعات المذهبية التي ضربت الكل بالكل ولم تقتصر على فئة من دون أخرى ناهيك بالنزعات العرقية والطائفية والعشائرية الضيقة.

ـ الفساد المالي الذي استشرى في معظم الدول العربية في ظل غياب القضاء العادل والمساءلة والمحاسبة القانونية.

ـ  صفقات السلاح الضخمة التي تشتريها بعض الأنظمة الحاكمة ولاسيما في بعض دول الخليج لحماية نفسها وليس لحماية البلاد من التهديدات الخارجية…

لقد كتب الكثير وسطرت ملايين الصفحات، إن لم يكن أكثر تشخيصاً وقراءة للواقع العربي… وكان الجميع يقف أمام السؤال المهم والمزمن عن كيفية الخروج من حالة الانقسام والتردي، بعدما نجح الغرب في تجاوز أزماته وتقدم، بينما بقي معظم العرب يستوردون كل شيء. والسؤال الجوهري هو أنه ما دامت أسباب حالة التردي هذه معروفة ـ كما أسلفنا ـ فلماذا انعدمت الحلول للمشكلات العربية؟.

يقول العديد من المؤرخين ومتابعي الشأن العربي: ”إن الكثيرين من العرب مازالوا وهم في مطلع القرن الحادي والعشرين، محكومين بالماضي”، بمعنى أن كل شيء يفسرونه ويبتون فيه على ضوء معايير تنتمي إلى الماضي والتاريخ السالف، فالحل الذي وجد لمشكلة في صدر الإسلام أو في العهود الأموية والعباسية، يعتقدون أنه مازال صالحاً لحل المشكلات التي تواجههم في العصر الحديث، ويعتقدون أيضاً أن الحلول الجاهزة موجودة في كتب التاريخ والتراث ويحاولون إسقاطها على الواقع الحالي… ومع ذلك فإنهم مازالوا غارقين في حفر عميقة من الآلام والدم والخراب، وعلى سبيل المثال: السلفية عادت بمقولات وخطاب تجاوزهما الزمن والعقل، ونشط دعاة الانكفاء على الذات ودعاة الماضوية القائلين:

 

”إن الماضي خير من الحاضر والمستقبل، لأنه مثال الأمن والطمأنينة”، كل هذا أدى إلى ظهور المنظمات الإرهابية المتطرفة التي يأتي على رأس أولوياتها إقصاء الآخر أو حتى التخلص منه على أساس أنه ”كافر ومرتد” على النحو الذي يمارسه تنظيم ”داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية، كذلك كتب الكثير عن عجز معظم الأنظمة والشعوب عن توحيد، ولو في الحد الأدنى، لأجزاء من وطننا العربي الكبير، وعن ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية والتطلع إلى خارج الحدود للاستعانة بالأجنبي، وعن ضرورة الاستقرار أولاً قبل التقدم والحريات والديمقراطية، ولكن بقي ما كتب حبراً على ورق.

وليس من الغريب أن تبدو السياسات الصهيوأميركية الدافعة لهؤلاء العرب المعنيين واضحة، فالسياسة لا تزال هي السياسة، والعمالة عند بعض الأعراب لا تزال هي العمالة، وتشعر أمام هكذا واقع، أن عالمنا العربي على الخصوص وبعض جواره الإسلامي لم يعد فيه سوى هذه المستويات المتدنية من السقم الفكري والسفاهة اللفظية والانحدار ورسوم الأدعياء و ”عملقة” الدعاة من كل نوع: من دعاة الحروب المذهبية والطائفية والعرقية إلى دعاة الاستعمار والصهيونية والحزبيات الضيقة والأيديولوجيات الغريبة المريبة، ومن دعاة الشرذمة والتقسيم السكاني والجغرافي، والفيدراليات السياسية الهزلية… وكل من ذلك وأولئك يعيدنا عهود ـ ”ما قبل عقلانية وما قبل جاهلية وما قبل حضارية..؟! ”.

 

ويضاف إلى ذلك دعاة بمعاول صلف وجهل يريدون هدم صرح العروبة التي يتهمونها بما لا يصدق ولا يطاق، وهدم الإسلام المحمدي الصحيح ومحاولة تشويه صورته النظيفة الناصعة، ونقض معمار قيمه ومقوماته وتسامحه ونقائه البهي… إذ تستمر الحملات على الدين ”الإسلام”، فمِن مطالِب ”بتجديد الإسلام”، إلى منادٍ ”بتخليصه من التطرف والتعصب، ومما يقولون إنه يشجع على الإرهاب؟!، إلى مستظرف لنفسه، معجب بعقله، يلطف الأمر إلى تغيير التفسير، لكي يتلاءم مع متطلبات من يرون في الإسلام ما يرون، ويتهمونه بما يفترون عليه. وكأن الإسلام ”مسوَّدة” يعيدون كتابتها، وتصحيحها، وتعديلها، وفق الطلب؟! وأولئك الذين من بينهم من العرب والمسلمين، حالهم حال مَن يوحون إليهم… يحيلون فعل أي مسلم، مهما كانت ظروفه وأسبابه وبيئته وشخصيته ونفسيته وحالته العقلية، وجنسيته… يحيلون كل فعل على الإسلام، فيشيرون إلى من يقوم بعمل إرهابي مدان، بأنه ”إسلامي، مسلم”، أما من يقوم بعمل إرهابي من غير المسلمين، فلا يُنسَبُ إلى دينه، ولا حتى إلى جنسيته، وقد يُغفل اسمُه.

وهناك من يعترض بوقاحة، على تقارب أي دولتين إسلاميتين، بينهما خلاف… لأن المطلوب، بنظر أولئك المعادين، أن يستمر الخلاف ويتطور، لنزداد نحن ضعفا وتبعية، وليتمَّ تمزيق شعوبنا وأوطاننا. وهذا السطح الذي يظهر للعالمين اليوم ويتلامع ربما دل على قمة جبل الجليد من مآسينا المتعددة الألوان والأسباب، وعلى عمق الانحطاط والانحلال والانفلات الذي بلغناه وأوصلتنا إليه سياسات ومؤامرات ومصالح وثقافات ووسائل إعلام تضليلية موجهة ودعاة تحت الطلب.

عام 2018 كان في غاية الوضوح بحيث تجلى فيه من يخطط، ومن يدفع المال، ومن يراهن، ومن يفترض سقوطه… فالذين دفعوا وما زالوا الأموال على إسقاط الأنظمة، حجبوا بكل أسف ولو جزءا منها عن إمكانية التنمية في العالم العربي… والذين خططوا، هم من كانت لديهم الأفكار القديمة باغتيال العالم العربي في كل مرة تنمو فيه رغبة في التغيير، إعطاؤه جرعة من التغيير لكن تحت الكنترول. أما المراهنون فهم الصامتون الذين لا نفهم منهم إذا كانوا يقبلون بدور الممولين على المديين القريب والبعيد. ولكن، يجب التنبه له، أن الولايات المتحدة وكل أذرعها الإسرائيلية والغربية، لا تقبل نظاماً له كل هذه المهمات كي يخرج بأقوى مما تتحمل المنطقة مع أنه أصغر من خرم إبرة.

لقد كان الدور الغربي حاسماً في تسريع وتيرة الفوضى حيث وجد من الناحية الاجتماعية أو ما يعرف بالمجتمع المدني الذي كانت مكوناته يملأ أفئدتها الحنق والغضب من مظاهر الظلم والفساد، وتركز الثروة بيد طبقة وسيطرة ذوي السلطة والمناصب على مقدرات الدولة وثرواتها، وجد البيئة خصبة والطريق مفتوحاً ليضع رجله على دواسة الوقود حتى آخرها، نتج عنها بروز أحزاب وجماعات كانت تنتظر مثل هذه اللحظة التاريخية لتتسيد المشهد الذي ملامحه الحالية تؤكد أنه مشهد مرسوم منذ البداية ليكون القادمون الجدد أو المتسيدون للمشهد هم الرقم الصعب في معادلة تحقيق الأهداف من الفوضى الخلاقة، سواء كان هؤلاء القادمون الجدد أو الراكبون لموجة الأحداث مدركين أو مغيبي الوعي أنهم تقع عليهم التزامات يجب الوفاء كضريبة لحالة التمكين.

مضى عام 2018، وبقي لنا ما نحن فيه، وما علينا أن نتجرع صابه ونعاني عذابه، نسوّغ حلوه ومره، فمر حلو بذوق فريق وحلوه مر بذوق آخر، ومصائب قوم عند قوم فوائد؟! وهكذا هم الخلق في الحروب يتساقون كؤوس الردى ويتبادلون سداد ثارات الدم والأيام دول ”يوم لك ويوم عليك”… ولكنها بمجملها أيام ترتد علينا نحن العرب والمسلمين وبالاً وضعفاً ونكالاً، وترتد كذلك على بلداننا وأمتنا الإسلامية وعلى الدين الإسلامي، وعلى القيم وما قد يتبقى للأجيال العربية القادمة على الخصوص من وجود وحقوق وأمل.

 

وهذا الوضع كله ينعكس على الكبار والصغار… ينعكسُ مآسٍ خاصة وعامة، وعلاقات اجتماعية مضطربة، وأكثر من صعبة، وأكثر من خطرة… وينعكس على التربية والتعليم، في بلدان تحتاج إلى الإعمار، والتقدم، على أسس من العلم والتربية والأخلاق… ومن المعروف ما يجره ذلك، وما سيجرّه اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً و… و… ولا أتكلم عما سيجرّ سياسياً، فتلك الداهية، الدّهياء.

 

فهل تحميل البلدان والمجتمعات المعنية، تكاليف الحروب، وتبعاتها، ونتائج هذه الأوضاع الاجتماعية والإنسانية كافة، وانعكاسات الحرب، وكل ذلك مستقبلاً، على تلك البلدان، إذا ما وصلت لحلول وسلام… هل يكون هذا كله يا تُرى أسهل، وأرحم، وأشرف، وأهم… من أن نضعه بسَعَته في مدارات إدراكنا، وأمام أنظارنا… فنختار وقف الحرب، ووقف الانهيار، واللجوء إلى حلول سلمية، وطنية، قومية، إنسانية… تجنب بلداناِ وشعوباً تلك التكاليف الباهظة، والنتائج المرّة، وتبقي لديها جهداً وأملاً وطاقة وإمكانية، تصبّ باتجاه استنقاذ ما يمكن استنقاذه، وتلتفت إلى الحاضر المدمَّر، إلى المستقبل، إلى السلام، والوئام والتعاون، إلى الأوطان والإيمان والإنسان… وتواجه ما جلبته العنجهية والحرب: ”خراب الدِّيار، وعودة الاستعمار؟!. والذين يُصرّون على رفضِ كل حل ممكن للأزمات والمشكلات، ويَزجون ملايين الناس في صنوف المعاناة، هم عبئ على الشعوب، والإنسانية، والحياة، وهم الأزمات والمشكلات.

 

إذ أنه في حقيقة الأمر، يوجد لكل أزمة، ولكل مشكلة حل، غير القتل والتأسيس للمآسي والكراهية والأحقاد، ولأنواع الثأر والانتقام… والحل يكمن في العقل والخلق والفضل. من الواقعي والمنطقي والعلمي، أنه حين تصفو الأنفس ترى ذاتها، وترى غيرها، وتعرف ما لها وما عليها، وتكون مرآة نقيَّة، بأبعادٍ متعدّدة، ترى ما يُرى، وتقرأ احتمالات ما قد يكون، وما قد يُرى… أمَّا حين تتعكرُ وتغدو العَكَرَ، والمستنقعَ الآسنَ، ومقبرة الفِكَرِ… فإنها لا تَرى من ذاتها ومن الآخرين إلا بائس الرؤية مغلوطَها، ولا تَرى حتى دمها الذي يوغلُ في دم الآخر، فيريقه أو يُراقُ به. إنه حين يصفو الماء نرى قعر الإناء، وإن النظرة الفاحصة لقعر العين السليمة تُري الحكيمَ صفاء النفس، وقد يَقرأ القارئ فيها، بعض صفحاتها الرائعة.

 

فماذا نقول اليوم، في زمن هو المحن، وكيف نخرج من فتنة ابتلينا بها، ونتخلص ممن يقتلوننا ليحررونا، وليحموا الوطن منا؟! إن ما يفعله فينا ”أهل السلطات والمعارضات”، أمراء الحرب وتجارها وساستها ومن وراءهم… أصبح فيه موت الحياة، والحياة موتاً… ولا أجد ما أقول في هذا، حتى أنني لا أجد طعماً لأي قول، لأن كل الكلام لا يصف ولا ينصف حالة من تلك الحالات المأساوية التي تغرقنا فيها ويستغرقنا مدها وجزرها، وتلفنا بلاويها… ولا يقدم أقل إيحاء بعمق المشاعر التي تنطوي عليها أفعال من هذه الأنواع.

 

دُعاة الحروب، والقتل، واستخدام القوة للقوة، والشرِّ للشر، هم عَكَر مطلَق، وبصر بلا بصيرة، وهم عبء على علاقات الناس، وعلى أخلاقيهم وقيمهم، وعلى حياتهم… ويجب ألا ينقادَ الناسُ لهم، لأن في ذلك تَهلُكة، وإطاعة للمخلوق في معصية الخالق، ففتنة الحرب قتل، والفتنة أشدُّ من القتل، وفيها تَهلكة، وقد نهانا اللُه، سبحانه وتعالى، عن أن نلقيَ بأنفسنا إلى التَّهلُكَة:﴿ وَأنفِقوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٩٥﴾-سورة البقرة.

على أي حال، ورغم حالة البؤس والتشرذم والانقسامات الحادة التي يعيشها العرب، تبقى الفرصة قائمة لإعادة لم الشمل والتصدي لهذا التفسخ لو كانت هناك نيات طيبة وتبقى الخطوة الأولى على الأقل البدء بإصلاح الجامعة العربية ورفع الوصاية عنها من طرف بعض الدول الخليجية والاتفاق على حزمة من الأولويات العربية في مقدمتها عدم تدخل الآخرين في الشأن العربي الداخلي، ومعارضة طلب التعاون مع الخارج الإقليمي أو الدولي للانقضاض على أخ أو شقيق في الداخل، وعلى أن تكون أولوية العمل العربي موجهة باتجاه قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى بدلاً من تجاهل أنظمة عربية لهذه القضية ووضعها على الرف.

وإذا كان لنا أن نطمع في التمنيات ونحن نستقبل العام الجديد، فلنا أن نقف عند التمني الذي يحرر الأسرى الفلسطينيين، ويعيد الياسمين إلى دمشق، ويزيل كآبة الشحة والضمور من أنهار دجلة والليطاني والنيل وكل الأنهار العربية التي بدأت تشيخ جفافاً، وأن نسمع هدير بردى الشام مواويل وذكريات، وأن تتزين شجرة الأرز اللبنانية بروح الألفة لتعيد ترتيب أولويات كتل سياسية ما زالت تلهج ليل نهار بأنها الأسمى والأحسن، وأن يكون للريف العربي حظوته بالمزيد من القرى العصرية، وأن يعلن الكثير من اللصوص وقطاع الطرق والقتلة براءتهم من ماضيهم وأن نبتعد من ثقافة العويل!

 

طالب يطلق مبادرة للحد من استخدام المحمول في الشارع : سهى صلاح –  القاهرة

أطلق الطالب بالمعهد العالي للفنون التطبيقية جامعة نيو كايرو أكاديمي، عبد الله ناجح، مبادرة اجتماعية تستهدف الحد من استخدام الهاتف المحمول في الشارع، الظاهرة التي انتشرت لحد كبير في المجتمع المصري، وحذر منها مختصون لتسببها في الكثير من حوادث الطرق رغم تجريمها أثناء قيادة السيارة في القانون المصري.
وسلط الطالب عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، الضوء على الظاهرة بمجموعة من الصور التي تظهر استخدام المصريين بمختلف فئاتهم العمرية الهاتف المحمول في الشارع، أثناء القيادة والتجول، حتى أثناء لعب الكرة.
وكتب الطالب في مبادرته : “إحصائية لعام 2018، 100 مليون مستخدم المحمول في مصر، ظاهرة خطيرة أن تجد هؤلاء في كل مكان”، داعيًا للمشاركة في تسليط الضوء على هذه الظاهرة، الأمر الذي تفاعل معه الكثير من مستخدمي “فيسبوك”.
وقال المحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط حاتم الجمسي، في تعليقه على المبادرة: إنها ظاهرة خطيرة تشبه الإدمان، لا أعتقد أن هناك حلاً في الوقت الحالي، أستخدم هاتفي لكل شيء تقريباً أحتاج إلى القيام به، أتسوق عبر الهاتف، أدفع فواتيري عبر الهاتف، وأقوم بمعظم أعمالي عبر الهاتف وما إلى ذلك، لكنني تعلمت عدم استخدامه عندما أقود السيارة (الغرامة في نيويورك تبلغ 115 دولارًا) وأنا تعلمت عدم استخدامه عندما أكون في المنزل.
واضاف على الحكومة سن قوانين يمكنها الحد من تلك الظاهرة التي تعرض البعض لحوادث خطيرة غير أنها تسبب الكثير من أمراض القلب والعين والأذن.
 سهى صلاح,
 القاهرة

أميركا تدمّر الشّعوب تحتَ ذريعة حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات! – مصطفى قطبي

 قناع جديد يسقط، ليكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، التي طالما نصّبت نفسها مدافعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعطت لنفسها الحق في توزيع شهادات حسن السلوك على الآخرين، لكنها لم تعتمد يوماً المعيار الأساسي لتلك الحريات والحقوق، سواء داخل أراضيها أو خارجها، وهي أكثر الدول انتهاكاً لحقوق البشر.‏

 

 فقد حددت أهدافها للقرن الحادي والعشرين، بأن يكون لواشنطن السيطرة الامبراطورية على العالم بمختلف الوسائل، بما فيها التدخل العسكري المباشر وهو ما حدث فعلاً في غزو أفغانستان ومن ثم العراق. واليوم كلنا شهود عيان على التدخل السافر في ليبيا وسوريا واليمن ولبنان…، ناهيك عن توظيف منظمات الأمم المتحدة كغطاء لإضفاء الشرعية على انتهاكات الولايات المتحدة لسيادة الدول ولحقوق الإنسان ومن خلال تصميم وصفات جاهزة للأنظمة السياسية يعدها صندوق النقد والبنك الدوليين بهدف تفتيت كيانات الدول وتهديد وحدتها واستقلالها ومن خلال الاختراق الثقافي والإعلامي…

 

يجري اليوم استغلال ورقة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم لأغراض الاستغلال الاقتصادي والسياسي والثقافي… وكأداة جديدة للتدخل الخارجي الفظ في الشؤون الداخلية للدول الأخرى… وتوظف الولايات المتحدة بنزعتها الإمبراطورية فكرة حقوق الإنسان في الوطن العربي من أجل خلق الفوضى والتشرذم والتفتيت، خدمة للمصالح الأميركية والغربية المتقاطعة مع مصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب. ومن خلال المساعي الرأسمالية الغربية الحثيثة لفرض وترسيم قواعد النموذج الاقتصادي الرأسمالي وتشكيل نظام عالمي جديد من خلال التركيز على خلق بيئة سياسية جديدة تتكيف مع المصالح الاقتصادية والسياسية الأميركية في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها الغرب الرأسمالي.‏ وتعمل إدارة الرئيس ”ترامب” من خلال تبنيها خطاباً منمقاً في دفاعها عن حقوق الإنسان ووعود نشر الديمقراطية، على توسيع مناطق حروبها والتي تنتهك فيها حقوق الإنسان وكذلك التطلعات الديمقراطية للشعوب.

وأولى الخطوات ضمن هذه الاستراتيجية كانت في العراق،‏ البلد الذي ابُتلي بأمريكا وعانى وما يزال من ويلات وجودها العسكري فيه. فالعراقالجرح العربي الدامي غزته أمريكا عام 2003 فهدمت الدولة العراقية وحلّت الجيش وأصبح سجن أبو غريب رمزاً للفضائح التي قام بها الأمريكيون والتي شاهدها العالم بأسره، وبعد الغزو بدأت حملات تحريض إعلامي وتمويل منظم للإرهاب قادته بعض الدول الخليجية ولم ترَ فضائيات الفتنة في المجتمع العراقي إلا الخلافات والتناقض وقام الإرهاب برعاية إقليمية دولية بتهجير منظم غايته هدم التنوع في مجتمع يعدّ من أكثر المجتمعات تمسكاً بهويته وثقافته المتنوعة وعمقه الحضاري فهجّر أكثر من أربعة ملايين عراقي وما زالت التفجيرات الإرهابية مستمرة حاصدة العديد من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم عرب.‏

واليوم، لا زال مستقبل العراق مظلماً، بل مرعباً في ظل غياب التوافق السياسي الذي زرعت بذوره وغَذته الولايات المتحدة والتي ما زالت سفارتها التي تعتبر من أكبر السفارات في العالم من حيث عدد العاملين فيها من دبلوماسيين وأمنيين وأعضاء شركات أمنية متخصصة، تعيث فساداً في العراق من خلف الستار.‏

أما في أفغانستان‏، وبعد أكثر من عشر سنوات على الغزو الأمريكي والأطلسي لها، فهي تغوص في مستنقع من العنف والقتل والفساد والإرهاب، ومع ذلك تؤكد الإدارة الأمريكية صباح مساء، أن أفغانستان حليف رئيسي لواشنطن، وكأنَّ مثل هذا الإعلان يُطعم الشعب الأفغاني و يخلصه من ويلات الفقر والتطرف والجهل والعنف التي تسود بلاده.‏

وفي باكستان، يستمر قتل الباكستانيين جراء غارات الطائرات الأميركية من دون طيار بالعشرات، وغالباً ما يكون ضحايا هذه الطائرات من طراز ”درونز” من النساء والأطفال، وتطال أحياناً خيام الأعراس ومجالس العزاء.‏

أما الصومال الدولة العربية الآمنة والهاجعة على كتف أفريقيا شواطئ يزيد طولها على أربعة آلاف كيلو متر توفر ما يقارب ثمانية مليارات دولار هي ريع العبور البحري في مياهها وذلك فضلاً عن ثرواتها السمكية، تدخّلت فيها أمريكا والنفط السياسي فدفعوها إلى مواجهات مسلحة وانتهى بها الحال إلى ما نراه اليوم دولة منهارة وحرب أهلية تقودها جماعات أصولية متشددة.

أما في دول أخرى،‏ ففي سماء اليمن وحتى الفلبين تحلق أيضاً الطائرات بدون طيار وتطلق نيرانها القاتلة، ولم يُقدم ”ترامب” على وقف غاراتها رغم اعتراف الجنرالات بأن نسبة الأضرار أي قتل المدنيين، عالية في معظم الأحيان.

 أما ليبيا فهي شاهد على ديمقراطية أمريكا، فقد ضاعت في غياهب الفوضى والسلاح، وما زال القتل مستمراً، وفي لبنان زرعوا التوتر الطائفي، وفي مصر ما زالت الدولة تحارب مخلفات الإرهاب بعد الربيع العربي المزعوم، واليوم في سورية الأطراف ذاتها والاستهداف نفسه أمريكا وأذرع لها في الخليج تملك الإعلام التحريضي وتموّل الإرهاب وتجلب المرتزقة والتكفيريين القتلة من أنحاء الأرض تدرّبهم وتدفع بهم إلى سورية.

والحرب ضد ليبيا هو النموذج الذي تعمل وفقه الولايات المتحدة في محاولة لإخضاع دول أخرى من بينها سورية وإيران. وبما أن العديد من الدول ترفض إقامة قواعد عسكرية أميركية فوق أراضيها، يخطط البنتاغون على نشر سفن في المياه الدولية ابتداء من الخليج باتجاه الشرق يمكن استخدامها كقواعد عائمة خاصة بالقوات الخاصة. وثمة قواعد جوية وبحرية جرى إقامتها أو يجري إقامتها في تايلاند والفليبين وسنغافورة وأستراليا ودول أخرى.

ينطبق على أميركا المثل العربي القائل ”رمتني بدائها وانسلت فهي تدعو مجلس حقوق الإنسان مثلاً إلى أخذ زمام المبادرة والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في أي بلد يعارض سياساتها، وفي الوقت نفسه توبخ هذا المجلس إذا حاول مناقشة جرائم الكيان الاسرائيلي حتى ولو كانت موثقة.‏ وهي تجيش الجيوش وتغزو البلدان وترتكب أفظع الجرائم بحق الإنسانية بذريعة تحقيق الحريات ومحاربة الإرهاب ومكافحة ”الديكتاتورية” وفي الوقت ذاته تسهل للمرتزقة وشركاتهم الأمنية كل السبل لانتهاك حقوق الإنسان من العراق إلى أفغانستان مروراً بأفريقيا وغيرها.‏

فهذه الدولة لم يسبقها أحد في ابتداع أساليب ارتكاب الجرائم بحق الإنسانية جمعاء، وكذلك لم تتمكن أي جهة أو دولة في العالم من اللحاق بها في ترويج وتسويق اختراعات أدوات ووسائل انتهاكات حقوق الإنسان، حيث لم تترك وسيلة ممكنة في هذا الأمر إلا وأنتجتها واستخدمتها، وبرعت في العقدين الأخيرين في محاولات إخفاء جرائمها مستخدمة الجو والفضاء والبحر والبر بذريعة محاربة الإرهاب.‏ ولم يعد خافياً على أحد قيام أميركا بافتعال المشاكل وفبركة الروايات وممارسة التضليل وبث الافتراءات في العالم ومن ثم التحرك على مستوى المؤسسات الدولية ومنها المرتبطة بحقوق الإنسان للتدخل في هذه المناطق تحت ستار دعاوى جاهزة وكاذبة وملفقة لتحقيق المصالح الأميركية والصهيونية، وما جرى خلال العقدين الأخيرين في افغانستان والعراق ويجري اليوم في ليبيا واليمن والصومال والسودان وسورية وغيرها من المناطق أمثلة صارخة على خبث السياسة الأميركية وانعدام أي قيم لاحترام حقوق الانسان فيها.

فهذه هي الولايات المتحدة الأمريكية قوة عمياء طليقة السراح في هذا العالم تسرح وتمرح كما تشاء، تعاقب هذا، وتكافئ ذاك، دون أي معايير أخلاقية وحسب مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها لاسيما مصالح إسرائيل وهي اليوم تمثل أبشع مثالٍ على نظام يدّعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بينما يدينه أقرب الناس إليه.‏

وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشر قبل أيام الرئيس الأمريكي الأسبق ”كارتر” مقالاً في صحيفة هيرالد تربيون” قال فيه:‏ ”إنَّ بلاده تخلت عن دورها التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم” بل تجاوز ذلك ليقول بملء الفم: ”إن سجل أميركا الحالي مُعيب، وإنها فقدت السلطة المعنوية للتحدث عن حقوق الإنسان وعن صون الحريات الشخصية حتى في الداخل الأميركي”.‏

هذا ويشير ”كارتر” الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2002 إلى سياسة الاغتيال الرسمية التي تبعتها الإدارة الأميركية خارج أراضي الولايات المتحدة، والتي تبيح قتل مواطنين أمريكيين، كما يشير إلى قانون جديد تمَّ اعتماده مؤخراً، يمنح الرئيس الأميركي سلطة احتجاز أشخاص، حتى لو كانوا أميركيين، إلى أجل غير مسمى بدعوى الشك في ارتباطهم بمنظمات إرهابية، ودون رقابة من الكونغرس أو من المحاكم الفيدرالية.‏ إضافة إلى ذلك، فإن قوانين أخرى صدرت بعد أن تمّ تمريرها على أثر هجمات أيلول 2001 تخرق الحريات الشخصية للمواطنين وتتيح مراقبة الاتصالات والمراسلات الالكترونية دون إذن قضائي، من قبل الوكالات الاستخبارية بدعوى حماية الأمن القومي.‏

فمن يدعي السعي لاحترام حقوق الانسان لا يقم بقصف المدنيين والأطفال والنساء بالطائرات والبوارج لمجرد الشك بوجود إرهابيين وفق التصنيف الأميركي. ومن يزعم احترام حقوق الانسان لا يقم بإنشاء سجون ثابتة وطائرة ـ جوية وبحرية وبرية في كل مناطق العالم ويمارس شتى أنواع التعذيب ومخالفة أبسط القوانين الانسانية. لقد كانت أمريكا من الدول الراعية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 لكنها في هذه الأيام تقوم بخرق معظم بنود هذا الإعلان بل أنها مزقته، حيث أعمتها قوتها العسكرية وأعماها غرورها الذي يضعها كما تتصور فوق المحاسبة أو المسائلة.‏

يقول ”كارتر: ”إن سجل الولايات المتحدة المخزي يؤكد أنها تمضي بعكس اتجاه التاريخ بعد أن ثارت شعوب العالم مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية وبدلاً من أن ُتقدّم أميركا نفسها كمثلٍ أعلى لباقي دول العالم، فإنها تخلق المزيد من الأعداء وتحرج أصدقاءها بضربها عرض الحائط بروح ومضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.‏

العالم بدأ يدرك اليوم أن الادعاءات الأميركية بالدفاع عن حقوق الإنسان ما هي إلا أكذوبة كبرى، وستار تخفي وراءه واشنطن نزعتها في الهيمنة والتوسع، لفرض سياستها وتحقيق مصالحها الخاصة، دون الاكتراث لما تخلفه تلك السياسة من خراب ودمار وفوضى عارمة تستهدف الشعوب في أمنهم واستقرارهم.‏

فأين حقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان… بل أين هي حينما تحاصر الشعب السوري ولو استطاعوا أن يمنعوا عنه الماء والهواء لفعلوا…؟!‏

والمفارقة الكبرى، أن واشنطن تصدر كل عام تقريرها عن حقوق الإنسان في العالم، ولكن وفق طريقتها الخاصة، وكل دولة لا تسير في فلكها تضعها في خانة ”منتهكي الحقوق”، وبنفس الوقت تبتدع أحدث الأساليب والمعدات المخصصة لأغراض التعذيب، وتصدرها لمن ينضوون تحت رايتها وتمنحهم شهادات وأوسمة لحسن سلوكهم، والأغرب أنها تتحدى العالم وتستخدم الفيتو ضد أي قرار يدين حليفتها إسرائيل لمصادرتها الحقوق وارتكابها أبشع الجرائم.‏

فهي تنشر قواعدها وحاملات طائراتها وجنودها وجواسيسها في أنحاء المعمورة، وتقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في العالم، يوجه أصابع الاتهام إلى دول أخرى، مستخدماً أساليب بشعة لا تمت للحقيقة بصلة، مستهتراً بموضوع حقوق الإنسان لمصلحة أميركا، من خلال إصدار تقييمات منحازة ومعايير مزدوجة، بينما تتستر واشنطن على انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة نفسها، وفي دول أخرى حليفة لها، مثل الكيان الإسرائيلي الذي يخرق يومياً وبشكل إجرامي ممنهج حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي في الأراضي المحتلة.

إن الاهتمام المزيف بحقوق الإنسان من قبل أميركا وحلفائها هدفه الهيمنة والاستحواذ على ثروات الشعوب.‏ أما الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان فهو مهمة سامية على المجتمعات الإنسانية نشرها وتحقيقها من خلال احترام القانون الدولي ومبادئه ومن خلال التعاون المثمر بين كافة الشعوب.‏ ومن الواضح ان ادارة ”ترامب” تلعب بالنار المستعرة في المنطقة وهذه النار لا تعرف التمييز في حال اشتدادها وتمددها بين المصالح الأميركية وغيرها وربما سيكون البادىء بإشعالها أول من يأتيه الحريق.

 

«يُغرق أميركا في الفوضى ويحتجزها رهينة».. نانسي بيلوسي تهاجم ترامب وتتوعده بإجراء سريع خلال شهر

اتهمت زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي، الرئيس دونالد ترامب بإغراق بلادها «في الفوضى»، فيما قالت مجلة Newsweek الأميركية إن بعض الجمهوريين يرون أن ترامب شخص غير لائق، ولا يناسب منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

جاء ذلك تعليقاً على عدة أزمات تواجه الإدارة الأميركية، بينها الإغلاق الحكومي الجزئي، واستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس على خلفية الانسحاب الأميركي من سوريا، إضافة إلى التوترات القائمة بين ترامب والمجلس الاحتياطي الاتحادي (الفيدرالي الأميركي).

وقالت «بيلوسي»، في تغريدة عبر «تويتر» الإثنين 24 ديسمبر/كانون الأول: «عشية عيد الميلاد، ودونالد ترامب يغرق البلاد في الفوضى، سوق البورصة تنهار، والرئيس يشن حرباً شخصية على الاحتياطي الفيدرالي، بعد أن أقال وزير الدفاع».

وأضافت: «باختيار تفعيل الإغلاق الحكومي، يعوق دونالد ترامب الجهود الهامة للحفاظ على سلامة الأميركيين، وإذا لم يتوقف ترامب والحزب الجمهوري عن احتجاز أميركا رهينة لسياساتهما الراديكالية، فإن الأغلبية الديمقراطية ستتصرف بسرعة لإعادة فتح الحكومة في يناير/كانون الثاني المقبل»، من دون تفاصيل.

وفي وقت سابق، وجه ترامب انتقاداً لاذعاً لمجلس الاحتياطي الاتحادي (الفيدرالي الأميركي)، متهماً إياه بأنه المشكلة الوحيدة التي تواجه الاقتصاد الأميركي، وأن مسؤوليه «لا يشعرون بالسوق».

وقال ترامب في تغريدة على تويتر: «المشكلة الوحيدة التي يعاني منها اقتصادنا هي مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي). إنهم ليس لديهم إحساس بالسوق… مجلس الاحتياطي مثل لاعب الغولف القوي الذي لا يستطيع أن يسجل نقاطا لأنه ليس لديه الحس، فهو لا يستطيع أن يضرب الكرة برفق».

وهاجم الرئيس الأميركي، رئيس الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، الأسبوع الماضي، بعد قرار الأخير رفع نسبة الفائدة ربع نقطة مئوية.

ومنذ السبت، تشهد الحكومة الأميركية حالة إغلاق جزئي بعد تخطي الموعد النهائي للتوصل لاتفاق حول التمويل.

وبدأ المأزق بعد أن رفض ترامب الموافقة على اتفاق تمويل حكومي قصير الأمد توصل إليه أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لأنه لم يتضمن المليارات الخمسة لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك.

وبذلك ستغلق المتنزهات الوطنية في الولايات المتحدة، وسيعمل أكثر من 400 ألف موظف فيدرالي «ضروري» في هذه الوكالات دون أجر، إلى أن يتم حل الخلاف كما سيحصل 380 ألف موظف آخرون على إجازة مؤقتة.

لكن خدمات إنفاذ القانون ودوريات الحدود وتوصيل البريد وتشغيل المطارات لن تتوقف.

ترامب شخص غير لائق

وفي تقرير لها ، قالت مجلةNewsweek    الأميركية إن الكثير من الأعضاء الجمهوريين ، باتوا يعتقدون أن الرئيس دونالد ترامب، شخص غير لائق ولا تناسب امكانياته منصب الرئيس ولا الرئيس الأعلى للقوات المسلحة

وقالت المجلة الأميركية ، ان الصحفي الأميركي كارل بيرنشتاين ، تحدث عن أهلية او عدم اهلية دونالد ترامب ليكون رئيس الولايات المتحدة الأميركية

ونقلت المجلة عن كارل بيرنشتاين قوله : ما فعلته رسالة وزير الدفاع الأميركي ، ماتيس بطريقة هائلة هو دفع الجمهوريين إلى إصدار بعض الأحكام الحقيقية».

واختتم بيرنشتاين حديثه قائلاً: «إنهم يتكلمون مع بعضهم البعض، وهناك توافق في الآراء أكبر أن ترامب غير صالح ليكون رئيس الولايات المتحدة».

وكتب مراسل الواشنطن بوست السابق أن الجمهوريين يقولون «إنه غير لائق بسبب مشكلات نفسية، كما أنه غير لائق ربما بسبب ازدرائه للقانون، وغير لائق بشكل خاص في سلوكه للسياسة الخارجية بطريقة تجعله خطرًا بنفسه».

وقال بيرنشتاين: «إنهم ينظرون إلى رئيس الولايات المتحدة على أنه خطر على الأمن القومي للولايات المتحدة.»

نقلته سيارة سوداء ثم تخلص من أساور المراقبة ليهرب على متن طائرة خاصة.. المباحث الأميركية تحاول استعادة سعودي فرَّ من قبضتها

يقول مسؤولون أميركيون إنَّهم يبذلون قصارى جهدهم لاستعادة شاب سعودي من المملكة إلى أميركا، بعد هروبه عن طريق ما يعتقد المحققون أنَّها وثيقة سفر مزورة على متن طائرة خاصة وبمساعدة قنصلية بلاده.

وبحسب صحيفة The Daily Mail البريطانية يتهم عبدالرحمن سمير نورا في جريمة قتل غير عمد لفالون سمارت (15 عاماً)، بعدما صدمها بسيارته من طراز لكزس ذهبية اللون حين انحرف عن طريقه على نحوٍ مُخالِف بهدف الالتفاف حول زحامٍ مروري، مُغفِلاً الفتاة التي كانت تعبر الشارع في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون في أغسطس/آب عام 2016.

اختفى قبل أسبوعين من مثوله أمام المحكمة

اختفى الشاب، الذي كان يرتاد كلية المجتمع بمدينة بورتلاند، في العاشر من يونيو/حزيران 2017 -قبل أسبوعين فقط من موعد مثوله أمام المحكمة- وأكَّدت الحكومة السعودية لضباط فيدراليين أميركيين في يوليو/أيلول الماضي، أنَّ نورا عاد إلى السعودية بعد سبعة أيام من اختفائه.

ولا تمتلك السعودية اتفاقية لتسليم المجرمين مع الولايات المتحدة.

وقال إريك والستروم، نائب رئيس الشرطة الفيدرالية في ولاية أوريغون لصحيفة Oregon Live: «نبذل كل ما بوسعنا لاستعادته». وأُطلِق سراح نورا في بورتلاند بأوريغون، بعدما دفعت القنصلية السعودية جزءاً من كفالته بقيمة 100 ألف دولار في 2016.

نقلته سيارة سوداء اللون ثم خلع سوار جهاز التعقب ليبدأ رحلة العودة إلى بلاده

وبحسب الصحيفة البريطانية فإنَّ المواطن السعودي، الذي كان يبلغ من العمر حينها 21 عاماً، حزم حقيبته وأقلّته سيارة خاصة سوداء اللون من طراز GMC Yukon XL أوصلته إلى فناءٍ به رمل وحصى، ثُمَّ خلع سوار جهاز التعقب الملفوف حول كاحله قبل أن يبدأ رحلته عائداً إلى بلاده. وكان نورا حصل على تصريحٍ من الضابطة المشرفة عليه بعد إطلاق سراحه، كاري كولبيرغ، للدراسة في جامعته بعد ظهيرة ذلك اليوم، لكنَّ السيارة لم تأخذه إلى هناك.

لكن على الرغم من وسيلة سفره الفاخرة إلى بلده والكفالة السخية التي دفعتها قنصليته له، لا يبدو أنَّ والدي نورا ذوي نفوذٍ.

فحسبما أفادت صحيفة Willamette Week المحلية، نقلاً عن تقرير صادر عن كاري، تعمل والدة نورا مُعلّمةً في رياض أطفال، ولدى والده نشاط تجاري في قطاع سيارات النقل.

وتدفع السعودية غالباً كفالات لمواطنيها المقبوض عليهم في الولايات المتحدة، بما في ذلك كفالة قيمتها مليونا دولار لزياد عابد، وهو طالب متهم بقتل مالك حانة في ولاية ميسوري في عام 2013، ودفعت السعودية بعدها في نفس العام كفالة قيمتها 5 ملايين دولار لأميرة سعودية متهمة بالاتجار بالبشر.

فالون سمارت (15 عاماً) صدمتها سيارة من طراز لكزس ذهبية اللون

لم تعلم كاري باختفائه إلا عندما عادت من رحلةٍ في عطلة نهاية الأسبوع، حيث لم يكن لديها تغطية لشبكة الهاتف المحمول أثناء الرحلة، وبعد التواصل مع مُدَّعي مقاطعة مالتنوما شون أوفرستريت، كان هناك تخوف من أن يكون نورا انتحر.

استخدموا كلاباً ذات حاسة شم قوية للبحث في متنزهٍ قريب وفي المكان الذي عُثِر فيه على جهاز التعقُّب الذي خلعه عن كاحله. ثُمَّ عزَّزت لقطات المراقبة للسيارة التي يُعتَقَد أنَّه فرَّ داخلها رواية هروبه طبقاً لسجل نظام تحديد المواقع «GPS».

وعثرت الشرطة على حقيبة معبأة بالملابس، وهاتف محمول، وحاسب آلي في منزله. وليس واضحاً السبب الذي جعله يترك هذه الأشياء.

ولم يظهر اسمه في أي رحلة طيران في أنحاء الولايات المتحدة أو كندا، ما دفع المحققين إلى الاعتقاد بأنَّ السعودية منحته وثيقة سفر باسمٍ مختلف لعبور الحدود.

رفضت القنصلية السعودية في لوس أنجلوس وواشنطن التعليق على تقرير صحيفة Oregon Live بشأن نورا.

ارتفعت كفالة نورا من 280 ألف دولار إلى مليون دولار نظراً لمخاطر هروبه. لكن هذا لم يمنعه من التملص من القانون، إذ دفعت القنصلية السعودية 100 ألف دولار من قيمة الكفالة فقط، أي دفعت الحد الأدنى اللازم للإفراج عنه وهو 10% من قيمة الكفالة.

الحكومة السعودية قد لا تدفع المبلغ المتبقي من الكفالة

وبما أنَّ القنصلية منحت نورا المال مباشرةً، فإنَّ هذا يعني أنَّ الحكومة السعودية غير مسؤولة عن المبلغ المتبقي من الكفالة. لكنَّ السلطات لم تعثر على الشخص المذكور للحصول على المال منه.ووفقاً للسجلات، استعانت الدولة بمحقِّقين خاصين للتعامل مع قضيته قبل اختفائه.

وكان قد اضطرَّ لتسليم جواز سفره حين دفع المبلغ يوم 11 سبتمبر/أيلول 2016، وظلَّ رهن الإقامة الجبرية بمنزل مُضيفته في الولايات المتحدة تيري ستانفورد، بينما أكمل دراساته في منحةٍ دراسيةٍ.

وقد قدَّمت السفارة السعودية دعماً مالياً لنورا في صورة دفعاتٍ شهريةٍ تبلغ حوالي 1800 دولار.

ووصفته مُضيفته، التي استضافت كثيراً من الطلبة الأجانب في بيتها، بأنَّه «أحد أطيب الأولاد الذين قابلتُهم في حياتي».

وقالت إنَّها قبل عامين كانت قلقةً بشأن «استقرار حالته النفسية» و»صحته المتدهورة»، إذ كان امتنع عن الأكل والاختلاط بالناس قبل موعد مثوله أمام المحكمة.

وكتبت في خطابٍ لمحاميه: «إنَّه يعاني بشدَّةٍ من الندم وآثار صدمته».

وقالت تيري ستانفورد كذلك إنَّ نورا بدأ تناول دواءٍ وصفه له الطبيب واحتُجِزَ في المستشفى في أكثر من مناسبةٍ. وزعمت في النهاية أنَّه «عاجزٌ عن ممارسة حياته»، وكانت تعتقد أنَّه «من المحال أن ينجو من السجن».

جاء هذا بعد وفاة جدَّته، ومرض والدته، وتراكم الضغوط مع اقتراب موعد اختباراته الدراسية قبل أسبوعٍ من تاريخ بدء المحاكمة.

ورفض اثنان من محاميه التحدث لصحيفة Orgeon Live.

واتَّفق المُدَّعي أوفرستريت معها في أنَّ نورا لم «يكن بحالةٍ جيدةٍ» آنذاك.

كان نورا يقود سيارته بسرعة تتراوح بين 80 إلى 100 كم/ساعة حينما لقيت سمارت حتفها.

وتشعر أسرة سمارت بغضبٍ عارمٍ من فراره بعد التماسات الأسرة لحرمانه من الحصول على إخلاء سبيل بكفالة.

فكتب عمُّها على موقع فيسبوك العام الماضي: «بناءً على الحقائق السابقة والوقائع الغريبة، يبدو لي أنَّ هناك أطرافاً خفيةً تعمل لخدمة هذا الرجل. لستُ أوجِّه اتهامات، وإنما ببساطةٍ أوضِّح الحقائق وما قد يخطر ببال المرء بناءً على تلك الحقائق».

وفي عام 2012، دفعت الحكومة السعودية كفالة المشتبه به في الاغتصاب من الدرجة الأولى في ولاية أوريغون، علي حسين الحمود، والذي كان متَّهماً كذلك بجرائم جنسيةٍ أخرى. وفي اليوم ذاته، عاد إلى بلاده على متن الطائرة.

وفي عام 2015، دفعت المملكة السعودية 100 ألف دولارٍ لأجل رجلٍ متَّهَمٍ بالاغتصاب في ولاية يوتا. وعُثِرَ في ما بعد على الرجل، منصور الشمري، وهو يحاول الفرار عبر الحدود الأميركية المكسيكية.

ربما كان عزل ترامب غير مرحّب به لدى البعض، أما الآن فقد تغيّرت قناعاتهم؟ توماس فريدمان يرصد أسباب التحول عند الأميركيين

دعا الكاتب الصحافي الأميركي الشهير توماس إل فريدمان إلى ضرورة وضع مسألة عزل الرئيس دونالد ترامب على طاولة النقاشات.

وقال فريدمان في مقال له بصحيفة The New York Times الأميركية إنه حتى الآن لم أُفضِّل عزل الرئيس ترامب من منصبه، شعرت بقوةٍ بأن رحيله بالطريقة التي جاء بها سيكون هو الأصلح لوطننا، من خلال صناديق الاقتراع. لكن الأسبوع الماضي كان لحظةً فارقةً بالنسبة لي، ولكثيرٍ من الأميركيين بظنِّي، بمن فيهم بعض الجمهوريين.

كانت اللحظة التي أجبرتنا على أن نتساءل إن كنَّا قادرين على تحمُّل عامَين آخرَين من رئاسة ترامب، وإن كان هذا الرجل وسلوكه الملتوي -الذي لن يزداد إلا سوءاً بانتهاء تحقيق مولر- سيؤدِّيان إلى زعزعة استقرار دولتنا، وأسواقنا، ومؤسَّساتنا الرئيسية، وبالتالي العالم أجمع. ولهذا يجب أن نطرح مسألة عزله من المنصب على طاولة النقاشات.

الاستقالة أو سحب الثقة

وقال فريدمان أؤمن بأن الخيار المسؤول الوحيد أمام الحزب الجمهوري اليوم هو أن يتدخَّل موضِّحاً للرئيس أنه لو لم يُحدِث تغييراً جذرياً في سلوكياته -ولا أحسب هذا مرجَّحاً- فلن يكون أمام قيادة الحزب خيارٌ سوى الضغط عليه لأجل تقديم استقالته أو الانضمام إلى الأصوات المنادية بسحب الثقة منه.

ويؤمن فريدمان بضرورة أن يبدأ التغيير من الجمهوريين، خاصة عند النظر إلى الأعداد اللازمة في كلٍّ من مجلس الشيوخ والواقع السياسيِّ. وقال يجب أن يكون عزل الرئيس خطوةً من الوحدة الوطنية على قدر المستطاع، وإلا ستُزِيد من تمزُّق دولتنا إلى أشلاءٍ. واضعاً في الاعتبار أن خطوةً كهذه ستكون عسيرةٌ جداً على الحزب الجمهوري اليوم، ولكن آن الأوان أن ينهضوا أخيراً لمواجهة هذه الأزمة التي أصابت القيادة الأميركية.

نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مايك بنس يخاطب القوات الجوية

يقول فريدمان لقد أمسى سلوك ترامب منحرفاً بشدةٍ، وكَثُرَت أكاذيبه للغاية، واستعداده للقيام بالوظائف الأساسية المندرجة تحت منصب الرئيس -كقراءة كتيِّبات الاجتماعات الموجزة، واستشارة الخبراء الحكوميين قبل إحداث تغييراتٍ كبرى، وتعيين مسؤولين مؤهَّلين- غائبٌ تماماً، وإقباله على تنفيذ مطالب روسيا وتنفير الحلفاء أمرٌ مقلِقٌ جداً، وهوسه بنفسه وبغروره على حساب كافة الاعتبارات الأخرى لا يتوقَّف، وإذا استمرَّ في منصبه عامَين آخرَين قد يمثِّل ذلك تهديداً حقيقياً على أمَّتنا. من المحال أن يكون نائب الرئيس مايك بنس أسوأ منه.

ماذا سيفعل «ترامب الخارج عن السيطرة» باستقرار العالم؟

ويرى فريدمان أن حجم الضرر الذي يمكن لترامب «الخارج عن السيطرة» أن يتسبَّب فيه يمتدُّ إلى ما خارج حدودنا. أميركا هي حجر الأساس للاستقرار العالمي. عالمنا هو كما هو عليه اليوم -مكانٌ، رغم كل مشاكله، ما زال يتمتَّع بقدرٍ أكبر من السلام والرخاء من أي وقتٍ مضى في التاريخ- لأن أميركا هي كما هي عليه (أو على الأقل كانت).

وتلك دولةٌ في أفضل حالاتها قد دافعت عن القيم الكونية للحرية وحقوق الإنسان، ولطالما تكلَّفت المزيد لتحقيق استقرار النظام العالمي الذي كنَّا أكبر المستفيدين منه، ولطالما كوَّنت تحالفاتٍ وحافظت عليها مع الدول المشتركة معها في طريقة التفكير.

أثبت دونالد ترامب مرةً تلو الأخرى -بحسب فريدمان- أنه لا يعرف شيئاً عن تاريخ أميركا ولا أهميتها. وكان ذلك واضحاً وضوح الشمس في خطاب استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس.

تستحوذ على ترامب فكرةٌ جنونيةٌ هي أن شبكة المؤسَّسات والتحالفات العالمية التي أُنشِئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية بأكملها -التي، ومع كل نقائصها، قد وفَّرت وسائل الارتباط التي صنعت هذه الحقبة غير المسبوقة من السلام والرخاء- تهدِّدُ السيادة والرخاء الأميركيَّين وأننا أفضل حالاً من دونها.

يُهدد النظام العالمي

لذا يتشفَّى ترامب في المصاعب التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، ويحثُّ بريطانيا على الخروج، ويُسَرِّب أنباءً بإمكانية تفكيره في الانسحاب من الناتو. هذه مؤسَّساتٌ يجب تحسينها جميعاً، ولكن ليس إلغاؤها.

ترامب ورئيس المجلس الأوروبي قبل اجتماعهم في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل

إذا صارت أميركا خطراً على جميع المعاهدات، والمؤسَّسات متعددة الأطراف، والتحالفات التي تحافظ على تماسك العالم؛ إذا تحوَّلت أميركا من كونها رمانة ميزان العالم إلى محرِّكٍ لعدم الاستقرار؛ وإذا تحوَّلت أميركا من ديمقراطيةٍ قائمةٍ على العمودَين المزدوجَين للحقيقة والثقة إلى دولةٍ تقبل هجوم الرئيس على الحقيقة والثقة بصفةٍ يوميةٍ، فاحترسوا: لن ينشأ أولادُكم فحسبُ في أميركا مختلفةٍ. بل سينشأون في عالمٍ مختلفٍ.

كانت المرة الأخيرة التي انفصلت فيها أميركا عن العالم بهذه الطريقة في ثلاثينيات القرن الماضي، وأنتم تذكرون ما تَبع تلك الفترة: الحرب العالمية الثانية.

ليس لديكم أدنى فكرةٍ عن السرعة التي يمكن أن تنحلَّ بها مؤسَّساتٌ مثل الناتو والاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية والأصول الأساسية الدولية -كألا تقتل صحافياً وتمثل بجثته داخل قنصليتك- حين تغيب أميركا عن الساحة أو تفقد صوابها تحت حكم رئيسٍ منعزلٍ معدوم الحياء.

يتخلص من مساعديه كمناديل ورقية

لكن ليست المشكلة في العالم وحده، بل في الحد الأدنى من اللياقة والاستقرار اللذين نتوقعهما من رئيسنا. لو تصرَّف أيُّ رئيسٍ تنفيذيٍّ لإحدى الشركات العامة في أميركا كما فعل ترامب على مدار العامَين الماضيَين -حيث الكذب المستمر، والتخلص من المساعدين كما لو كانوا مناديل ورقيةً، وكتابة تغريداتٍ دون توقفٍ كما لو أنه مراهق، وتجاهل مشورة الخبراء- لكان مجلس الإدارة قد عزله منذ زمنٍ طويلٍ. أينبغي أن نتوقَّع ما هو أقل إزاء رئيسنا؟

ذلك ما تتساءل عنه الأسواق المالية. طوال العامَين الأوَّلَين من رئاسة ترامب عاملت الأسواق زيفه وجنونه كضوضاءٍ في خلفية الأرباح والبورصات المزدهرة. ولكن لم تعد الحال كذلك. لقد أصاب ترامب الأسواق بالقلق.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الدفاع الأمريكي المقال جيمس ماتيس

إن عدم الاستقرار الذي يولِّده ترامب -بما في ذلك هجومه على رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي- يجعل المستثمرين يتساءلون عن المصدر الذي ستأتي منه الإدارة الاقتصادية والجغرافية السياسية مع الركود الاقتصادي. ماذا لو وجدنا أنفسنا في أزمةٍ اقتصاديةٍ وكان لدينا رئيسٌ غريزته الأولى دوماً إلقاء اللوم على الآخرين وقد طرَد مَن حولَه من أعقل الناضجين الذين على استعدادٍ أن يخبروه بأن «حدسه» المتبجِّح ليس له أساسٌ في علم الاقتصاد ولا القانون ولا حتى في البديهيات. كان ماتيس هو الأخير

أراد التغيير لكن لم يقدم سوى الخراب والجهل

لقد بقي لدينا الآن الفريق «ب»، كلُّ من كانوا مستعدِّين لتولِّي المناصب التي إما استقال منها فريق ترامب الأول -لعجزهم عن تحمّل كذبه وفوضاه وجهله- وإما عُزِلوا منها للأسباب ذاتها.

أشك جدياً في أن أية إدارةٍ أخرى كانت لتستعين بأيٍّ من هؤلاء الاحتياطيين. فهم ليسوا فقط لا يُلهِمونك الثقة في الأزمات، بل إنهم جميعاً يمضون في أعمالهم عارفين أن ترامب يمكنه أن يطعن كلَّ واحدٍ منهم في ظهره بسكِّين تويتر، في أية لحظةٍ، إذا كان ذلك سيخدم مصالحه. ويجعلهم هذا أقلَّ فعاليةً.

ويتطرق فريدمان في حديثه عن المدافعين عن ترامب قائلاً يُقال لنا: آه، لكن ترامب رئيسٌ من نوعٍ مختلفٍ. «إنه مُغيِّر». حسناً، أحترم أولئك الذين صوَّتوا لترامب لرأيهم أن النظام بحاجةٍ إلى «مُغيِّر». وهذا صحيحٌ في بعض الجوانب. أتفق مع ترامب على الحاجة إلى تغيير الوضع الحاليِّ في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وإعادة التفكير في تواجدنا بأماكن مثل سوريا وأفغانستان، والتخلُّص من بعض اللوائح التنظيمية الخانقة على التجارة.

الرئيس الأميركي برفقة الرئيس الصيني

ولكن ترامب أفرط في إعطائنا تغييراتٍ دون أية خطةٍ لما هو قادمٌ. لقد عمل على تدمير «أوباما كير» دون تخطيطٍ للخطوة التالية. وأعلن الانسحاب من سوريا وأفغانستان دون حتى استشارة رئيس هيئة الأركان المشتركة، ولا كبير خبراء وزارة الخارجية، ناهيك عن حلفائنا.

لقد أراد الناس التغيير، ولكن ترامب لم يعطِنا إلا خراباً وإلهاءً وإسفافاً وجهلاً تاماً.

أكبر تغييراته تقويض القيم الأميركية

وبينما من الصحيح أننا بحاجةٍ إلى التغيير في بعض النواحي، فنحن كذلك بحاجةٍ ماسةٍ إلى الابتكار في نواحٍ أخرى. كيف نتعامل مع هذه الشبكات الاجتماعية العملاقة؟ كيف ندمج الذكاء الاصطناعي بجميع جوانب مجتمعنا، كما تفعل الصين؟ كيف نجعل التعليم المستدَام متاحاً لكلِّ أميركي؟ في وقتٍ نحتاج فيه إلى بناء الجسور نحو القرن الـ21، كل ما يفعله ترامب هو الحديث عن بناءٍ سورٍ مع المكسيك، وهي حيلةٌ سياسيةٌ لاستنفار قاعدته بدلاً من عملية الإصلاح الشاملة لنظام الهجرة التي نحتاج إليها بحق.

لقد كان أكبر تغييرات ترامب هو تقويض العادات والقيَم المرتبطة في أذهاننا برئيس الولايات المتحدة وقيادتها. والآن وقد حرَّر ترامب نفسه من أية قيودٍ داخل هيئة البيت الأبيض ومجلس وزرائه وحزبه -لكي «يمكن لترامب أن يكون ترامب»، كما يُقال لنا- فهو يتمتع بحريةٍ أكبر من أي وقتٍ مضى ليُعيد تشكيل أميركا على صورته.

وما هي تلك الصورة؟ وفقاً لآخر إحصاء من صحيفة The Washington Post، فقد صدر من ترامب 7546 قولاً كاذباً أو مضلِّلاً، بمتوسط 5 في اليوم، حتى يوم 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اليوم الـ700 منذ توليه مقاليد الحكم. وكل ذلك كان قبل أن «ندَع ترامب يكن ترامب» كما هو مفترضٌ.

إذا بدأت أميركا تتصرَّف كمحتالٍ كاذبٍ وقحٍ أنانيٍّ مثل ترامب، فببساطةٍ لا يمكنكم تصور حجم عدم الاستقرار -وحجم الاضطراب- الذي قد تتعرَّض له الأسواق والجغرافيا السياسية.

ولن نقدر على تحمل ثمن معرفة الإجابة عن ذلك السؤال.

 

كيف وصلنا إلى ذروة الهراء؟ الانحيازات النفسية وراء تصديق الأفكار المغلوطة – د.هــناء عـبـيـد

 “مشكلة الحقيقة أنها ليست مريحة  وغير جذابة، فالعقل الإنسانى يبحث عن شئ أكثر تسلية وإشاعة للطمأنينة”

هنرى لويس منكن

مقدمة

إن الاهتمام الفلسفى والمعرفى بالحقيقة متجذر فى العلوم الإنسانية. فبالرغم من حداثة مفهوم ما بعد الحقيقة، فالأسئلة حول ماهية الحقيقة أو كيفية الوصول إليها، والمحددات النفسية والاجتماعية التى تدخل فى “إنتاج الحقيقة”،  هى أسئلة قديمة. يقتصر هذا المقال على مفهوم ما بعد الحقيقة فى سياقه الحديث، حيث ظهر بقوة على خارطة الاهتمامات البحثية والصحفية، خاصة فى العامين الماضيين. وبالبحث على محرك جوجل باستخدام كلمة ما بعد الحقيقة، نجد نحو 645 مليون نتيجة، رغم حداثة المفهوم. والكثير من هذه النتائج هى مقالات، وكتب، ودراسات، ودوريات أكاديمية تحمل عناوين، مثل: سياسات ما بعد الحقيقة، وفن إنتاج الكذب، والحرب الجديدة على الحقيقة، وكيف نقاومها، الكذب المسلح،و ظاهرة ما بعد الحقيقة فى أمريكا، وكيف وصلنا إلى ذروة الهراء؟ وترامب وعالم ما بعد الحقيقة، وإنقاذ الحقيقة: البحث عن المعنى والوضوح فى عالم ما بعد الحقيقة، وغيرها. وتشير هذه العناوين وغيرها الكثير، إلى حالة من الجزع السائد من تغييب الحقيقة، وتسيُّد نوع من الخطاب المشحون عاطفيا، والحقائق البديلة أو الموازية.

وقد ارتبط صعود مفهوم ما بعد الحقيقة، فى الدوائر الصحفية والأكاديمية الغربية، بحدثين أساسيين هما فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وتصويت البريطانيين بالموافقة على الخروج من الاتحاد الأوروبىBrexit، وهما الحدثان اللذان ساد الانطباع بأنه شابهما توظيف كثيف للخطاب المشحون عاطفيا، والمجافى للواقع وللحقائق الموضوعية. ومن ثم لم يكن على سبيل المصادفة اختيار قاموس أوكسفورد الإنجليزى لمصطلح ما بعد الحقيقة، باعتباره كلمة العام فى عام 2016، وصدور العديد من الكتب لمناقشة الظاهرة.

تستهل معظم الكتابات عن “ما بعد الحقيقة” بمجموعة من الظواهر التى تضم، إلى جانب فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، كما سبقت الإشارة، قضايا، مثل صعود الاتجاهات السياسية الشعبوية، وتبنى خطاب معاد للمهاجرين، بالإضافة إلى التشكيك فى ظواهر علمية، منها تلك الخاصة بتغير المناخ، وغيرها من القضايا والموضوعات التى ينبنى الحكم فيها على المشاعر، خاصة مشاعر الخوف والغضب، وتخلق عالما من الحقائق البديلة AlternativeTruths، وما يستدعيه ذلك من مخاطر على الديمقراطية.

النقطة الجديرة بالملاحظة هنا هى أن تلك الحقائق البديلة أو المبالغات فى الأغلب لا تختلق واقعا من العدم، وإنما تقوم بتضخيم وقائع بعينها تحمل ظلا من الحقيقة. نفس الأمر ينطبق على الشائعات، فهى وإن كانت تنطوى على التوظيف الممنهج للأكاذيب، إلا أن انتشارها بحد ذاته يحمل دلالة على أنها تؤدى وظيفة نفسية، أو تحمل نوعا من الأصداء التى يرغب المتلقى فى تصديقها.

لا يسعى هذا المقال إلى الاستغراق فى مظاهر وسياسات ما بعد الحقيقة، سواء فى المجتمعات الغربية أو فى تجلياتها فى مجتمعاتنا، رغم أن الظاهرة تستحق الالتفات، وإنما يحاول إلقاء الضوء على اتجاه أكاديمى أسبق، بزغ فى السنوات الأخيرة، ويحلل العوامل النفسية التى تفسر الظاهرة، حيث تتناول الانحيازات النفسية التى تجعل البشر عرضة للخداع، وأكثر قابلية لتصديق أشباه وأنصاف الحقائق، بل وتفضيلها فى بعض الأحيان على الحقائق المركبة، أو المقلقة. فقد فتحت الإسهامات الحديثة لعلماء نفس، مثل دانيال كانمان، وعاموز  تفرسكى، والخاصة بخرائط الرشادة المنقوصة mapsofboundedrationality، الباب واسعا أمام المزيد من الإسهامات التى تتناول الانحيازات الإدراكية وتأثيرها فى تفضيل قراءة معينة للواقع، وقبول روايات تفسيرية دون غيرها، والاطمئنان إلى بعض التفسيرات رغم قصورها الواقعى. وبالرغم من أن هذه الاتجاهات البحثية شديدة الدلالة فى دراسة ظاهرة ما بعد الحقيقة، فإن توظيفها الأغلب حتى الآن يتم فى مجال الاقتصادات السلوكية، وكيف تؤثر العوامل النفسية فى القرارات الاقتصادية، وذلك على الأرجح مبعثه أن الفاعلين الاقتصاديين أكثر استعدادا للاستثمار فى فهم العوامل النفسية الدافعة لسلوك الإنسان الاقتصادى. يهتم أيضا بهذا الاتجاه الصاعد ويوظفه بعض الكتابات المعنية بعملية التفكير المجرد ذاتها، خاصة التفكير العلمى والضغوط أو الانحسار الذى يتعرض له فى عصر ما بعد الحقيقة.

 ومن ثم فموضوع هذا المقال هو ما تخبرنا به الدراسات النفسية والسلوكية الحديثة عن قابليتنا للخداع، وكيف نميل لخلق الأوهام وتصديقها، وذلك من خلال بعض الانحيازات أو المؤثرات الإدراكية.

العقل المستريح يرسم ابتسامة على الوجه

إن الانحياز الجوهرى الذى يفسر حالة ما بعد الحقيقة هو ما عبر عنه دانيال كانمان بالتفرقة بين التفكير الحدسى السريع، والتفكير المركب أو البطئ، وميل الإنسان إلى الارتياح للنوع الأول من التفكير، واستخدامه تلقائيا، وفى معظم الأوقات، بل وارتباط استخدام هذا النوع من التفكير التبسيطى بالرضا النفسى. إن هذا الميل إلى تشكيل الانطباعات، والحكم السريع والحدسى على الأمور ليس جديدا، وليس سيئا تماما، بل على العكس، فإنه يمكِّن الإنسان من تجنب المخاطر والحكم السريع فى أوقات الخطر. ولكنه فى الوقت ذاته تفكير اختزالى ، يكره التعقيد والتناقض، وبذل الجهد لفهم الموضوعات والمفاهيم المركبة، مما يجعلنا دوما صيدا سهلا للقصص الدرامية التى تحاك ببراعة. ويفصل كانمان بقوله إن سيادة هذا النوع من التفكير البسيط، السريع والحدسى، يتأسس على انحيازات نفسية، منها ما يطلق عليه انحياز تفضيل الثقة على الشك، حيث يميل الإنسان من خلال صيغة التفكير الحدسى «المريح» الذى لا يستلزم جهدا عصبيا إلى قمع الغموض، وبناء قصص وتفسيرات للواقع متماسكة قدر الإمكان. يرتبط بذلك ميل الإنسان إلى قراءة الأنماط، والبحث عن النظام فيما حوله. فالطبيعة البشرية لا تقبل بفكرة المصادفة، أو الوقائع العشوائية، وتميل إلى البحث عن خط ناظم، أو قالب يفسر كل الأحداث. فهى تسعى فيما حولها لإيجاد النمط الذى تفهمه وتستطيع ترتيب وفهم الأحداث وفقا له. قد يفسر هذا صمود أفكار تقوم على نظريات المؤامرة أو غيرها، مما لا يسطع دليلا منطقيا على وجوده، ونجاحها فى تخطى حواجز التاريخ، والجغرافيا، والطبقات الاجتماعية، والمستويات التعليمية المختلفة.

وقد انتبه الفيلسوف فرانسيس بيكون إلى هذه الطبيعة البشرية فجعلها أساسا للوهم الأول الذى يسيطر على البشرية، وهو الميل إلى افتراض وجود نظام وأنماط مطردة فى العالم، أكثر مما هو موجود فعليا. وللتغلب على حالة عدم اليقين المرتبطة بغموض، أو غياب، أو تناقض المعلومات، يميل البشر لتفسير ما يرون، وفقا للمخزون المعرفى، والخبرات والمعتقدات السابقة، أو قياسا على ما يألفونه، من خلال إنتاج نمط أو تفسير يحظى بالتناغم الداخلى من ناحية، والتوافق مع المعتقدات المسبقة من ناحية أخرى.

البحث عن قصة جيدة

يتفق الكثير من علماء النفس على أن القصة الجيدة تحظى بفرص قبول وانتشار أفضل من القصة الواقعية. ومن السمات الأساسية للقصص الجيدة والقابلة للتصديق أن تكون بسيطة، وشيقة، وأن تمد المتلقى بالمعلومات دون أن تثقل عليه بالتفاصيل. وتعد البساطة عنصرا جوهريا فى تقبلنا للقصة، بحيث يجعل بعض علماء النفس من “تقليل الجهد الإدراكى” عنصرا أساسيا لخلق رسالة مقنعة.  لقد قدَّم نسيم طالب فى كتابه البجعة السوداء فكرة المغالطات السردية، وهى تلك الطريقة التى تؤثر من خلالها القراءة الخاطئة لقصص وأحداث الماضى فى رؤيتنا للعالم، حاضره ومستقبله. ويشير طالب إلى أن القصة التفسيرية أو السردية الناجحة عادة ما تكون بسيطة، ومادية أو ملموسة لا تبالغ فى التجريد والتنظير، كما أنها تحتوى على عدد بسيط من الأحداث المدهشة. هذه القصص تقدم تفسيرات بسيطة ومتماسكة لأفعال ونوايا الناس، وتسد فراغ نقص أو تناقض المعلومات وعدم اليقين.

فى السياق نفسه، يشير هانز روزلينج فى كتابه الوقائعية Factfulnessإلى عدد من الانحيازات النفسية والإدراكية التى تكمن وراء سوء إدراكنا للعالم، وتفضيلنا لتفسيره، من خلال القصص المثيرة والتبسيطية. وتشكل هذه الانحيازات وقودا للتفكير البسيط والحدسى، منها: غريزة الفجوة، أو الميل لإدراك العالم كصراع بين الخير والشر، والنظر إلى مختلف القضايا ،من خلال الانقسام بين معسكرين أو مجموعتين أو موقفين متعارضين مع تجاهل المساحات المشتركة، والحلول الوسط.

وفقا لروزلينج، هناك إغراء لا يقاوم لأن نرى ونقيم الأمور باعتبارها صراعاً بين خيارين أو مجموعتين من البشر بينهما هوة غير قابلة للعبور. وبطبيعة الحال ينطوى هذا التقسيم على اعتبار ما
ننتمى إليه يمثل الخير أو الفضيلة، بينما ما ينتمى إليه الآخرون ممثلا للشر. ويعد التفكير من خلال ثنائيات غير قابلة للتصالح هو خصيصة بشرية، والقصة الجيدة التى سوف تحوز مكانة الحقيقة، وتسود هى تلك التى تبنى على هذه الثنائية بين الأخيار والأشرار، وتقسم العالم تقسيما حدسيا بسيطا يشبع رغبتنا فى القصص الدرامية والتصنيفات الواضحة، التى لا تقبل الغموض أو اللبس.

كذلك يلعب عنصر الإدهاش والتضخيم من الأحداث أو الظواهر الغرائبية دورا فى الإقبال على استهلاك القصة والاهتمام بها. ويرى هانز روزلينج أن الانحياز الأساسى الذى يضخم من وقائع وأخبار شاذة، أو هامشية، أو ذات دلالة عاطفية ليجعل منها خبرا أساسيا، منبعه الميل البشرى للثرثرة، ولتداول الشائعات، والاهتمام بالأخبار الدرامية. فالأمثلة المتطرفة هى التى عادة ما تعلق بالذهن، بينما يتجاهل الإنسان الأمثلة الاعتيادية أو غير المثيرة. هذا الميل هو الذى يوجه الإعلام لتسليط الضوء على الوقائع والأخبار والقصص المبهرة التى من المتوقع أن تحوز اهتمام “الجمهور”، مما يخلق فى النهاية نوعا من الحقائق الموازية، ويهمش الأخبار والقصص “العادية” أو التقليدية، غير المسلية. ويعقد هذا الأمر من علاقات السبب والنتيجة فى فهمنا لأسباب شيوع المعلومات غير الدقيقة أو المبالغات الإعلامية. فإذا كان البعض يرى أن الإعلام هو السبب فى ظاهرة المبالغات والأخبار الفجة، فإن الإعلام فى هذا الصدد يتصرف وفقا لتوقعاته أو خبراته حول ما يشكل خبرا، أو قصة سوف تحظى باهتمام القراء، مقارنة بالأخبار والقصص العادية” أو الباهتة التى لن تلقى صدى يذكر.

الحقيقة نسبية وهى دائما من اختيارنا

لا يقتصر اختيارنا لما نصدقه على الأفكار والقصص البسيطة والدرامية فحسب، وإنما نميل أيضا إلى تصديق ما نوده أن يكون حقيقيا. فهناك عنصر تفضيل أساسى ومسبق لما نختار أن نصدقه باعتباره الحقيقة. وتتدخل المشاعر والتفضيلات بداية من رؤية الموقف وإدراك عناصره، إلى إعطائه معناه، وانتهاء باتخاذ موقف منه. إن عملية الفهم بحد ذاتها والحكم على الأمور، وتقييم الأدلة والحجج، وإعطاء معنى للمواقف والمعلومات مرتبطة بأفكارنا، ومعتقداتنا، ومشاعرنا، وتوقعاتنا المسبقة. فالمعلومات والوقائع لا تعامل من قبلنا معاملة متساوية فى الحكم عليها وقياس مدى رجاحتها.

لا يعنى ذلك أن الإنسان يتجاهل المنطق تماما فى حكمه على الأمور، وإنما يتلون المنطق ذاته بتفضيلاتنا ومشاعرنا، فتتأثر عملية الاستدلال نفسها بخياراتنا وانحيازاتنا المسبقة. فمن بين نسيج الأدلة المتوافرة فى قضية ما، يميل الإنسان إلى اختيار النمط التفسيرى والأدلة التى تعزز وجهة نظره ويرتاح إليها، أو تقوى ثقته بنفسه وبرجاحة موقفه أو موقف من يحترمهم ويثق بهم. بل إن اختيار مصدر المعلومة بحد ذاته عادة ما يكون مدفوعا بالحاجة إلى الطمأنينة، وذلك من خلال اللجوء إلى المصادر التى من المتوقع أن تعزز ما نراه صوابا، وتجنب المصادر، أو آراء الخبراء التى نتوقع تناقضها مع خياراتنا.

ويرى توماس جيلوفيتش إننا فى الغالب نرتبط بقناعاتنا ونعاملها كممتلكات شخصية لا ينبغى أن تتعرض للتهديد، ومن ثم فالبحث عن الأدلة يخضع للهوى، فإذا كانت الأدلة المبدئية متوافقة مع قناعاتنا، نكتفى بها ونتوقف عن البحث، أما إن تناقضت مع تفضيلاتنا، فإننا نستمر فى البحث حتى نجد ما يؤيدها ويتفق معها.

فى المسعى نفسه، فإننا نخضع الظواهر والمعلومات غير المتوافقة مع ما نعتقد إلى أضعاف النقد والتمحيص الذى نستخدمه حيال تلك المتوافقة معه. فقناعاتنا تؤثر على المصدر الذى نلجأ إليه للحصول على المعلومة، فضلا عن كم ونوع المعلومات والأدلة التى نسعى للحصول عليها. بينما نكتفى بقدر قليل من المعلومات المؤيدة لما نرغب أن يكون حقيقيا. كذلك، فإن آلية الحكم ومعاييره تخضع للتوظيف الانتقائى، بحيث تتسق مع ما “نحب” أن يكون حقيقيا، وتعطينا النتائج التى نرغب بها  أو نتوقعها.

التفضيلات تبيح المبررات

تشير الدراسات إلى أن الإنسان لديه قدرة غير محدودة على تبرير ما يعتقده صوابا. فنحن لا نعتنق الأفكار بسبب وجاهة أسبابها، وإنما، فى الغالب، نميل لإنتاج المبررات والأسباب لما نعتقد بشكل مسبق أنه أمروجيه. والمبررات بحد ذاتها هى أسباب مشحونة بالتماهى العاطفى بيننا وبين خياراتنا أو ما نعتقده صوابا. ويرى دان أريلى أن التبرير هو حيلة نفسية، يستخدمها الإنسان بشكل شبه يومى للتوفيق بين حسابات رؤيته المصلحية، والتقييمات الأخلاقية للموقف محل التبرير.

بعبارة أخرى، فإن الناس لا تتجاهل الأدلة والبراهين بشكل كلى أو تتبنى أسباب ذرائعية فى كل الأحيان، وإنما يميل البشر دوما إلى البحث عن تلك الأدلة والمعلومات التى تعزز توجههم المسبق. فعملية البحث عن
المعلومات والأدلة ليست عملية محايدة يتم فيها القياس والتقييم الموضوعى لكل البدائل والمعلومات، وإنما هناك ميل دائم لإيجاد ــ أو التضخيم من ــ المعلومات المؤيدة أو المؤكدة confirmatoryinformationللموقف الشخصى. يتم ذلك من خلال آلية الاستدلال العاطفى. وفى هذا السياق يرى دانيال كانمان أن النتائج تهيمن على الحجج، خاصة فى المواقف التى تنطوى على المشاعر أو الخيارات العاطفية. فالتفضيلات السياسية تحدد الحجج التى نجدها وجيهة أو مقنعة، بحيث يصبح الاستدلال، الذى يعد فى صلب عملية تقييم الأمور، والتفكير العقلانى والمنطقى، منحازاً  ابتداء وموجهاً بتأثير المشاعر.

من ثم، فإن عملية تقييم الأحداث والحكم على الأمور، حتى وإن وظفت المنطق والتفكير العقلانى ظاهريا، فإنها محكومة بالعواطف، ومنحازة، وتختار من الاستدلال وأدواته ما يفيد التوصل إلى النتائج التى نرغبها. فعلاقتنا بقناعاتنا ليست علاقة موضوعية أو محايدة. ويشبِّه عالم النفس روبرت أبلسون القناعات بأنها مثل الممتلكات الشخصية. فنحن نحتفظ بها نظرا للقيمة التى تحوزها والوظيفة التى تؤديها. الأمر نفسه يفسر اختيارنا لمنظومة متسقة من القناعات، بحيث نختار من الروايات والسرديات الرائجة فقط ما يتسق مع ما هو لدينا بالفعل. وأخيرا لا تستبعد دراسات الانحيازات النفسية التأثير المباشر للمصلحة فى توجيه ما نراه حقيقيا. فقد تتم عملية الاستدلال بالكامل فى خدمة مصلحة شخصية، أو تصور بعينه للمصلحة العامة، ومن ثم يكون التوظيف الانتقائى للمعايير والأدلة الداعمة عمديا.

من التكرار للألفة إلى الحقيقة

إن التكرار يصنع الألفة ويمهد للحقيقة، حيث يؤدى الإلحاح على قصة ما إلى قبولها فى النهاية، فالألفة تصنع الإعجاب. ويعد هذا هو “أثر التعرض” لأفكار أو سرديات بعينها أيا كان وسيط التعرض. فتكرار حجة ما كفيل بإكسابها بعض القبول. وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعى، والحاجة إلى كم هائل من المعلومات “القصص” يوميا،  لتغذية هذه الماكينة العملاقة، فى قصر دورة حياة الأفكار، وإعطاء الأولوية للقدرة على صياغة “قصة جيدة”.ويعمل إعادة إنتاج وتداول وتدوير المعلومات والأخبار، عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعى على تأكيدها وإعطائها قدراً من المقبولية المبنية على الشيوع والتكرار.

كما اسهمت وسائل التواصل الاجتماعى فى توسيع قاعدة “مجموعات الدعم” بخلق دوائر للدعم الافتراضية، مما يخلق الانطباع بالتوافق المصطنع حول موقف ما، ويعزز ثقة المنتمين إليه فى صحته، وفى اتساع قاعدة المنتمين إليه. ويؤدى هذا التوافق الظاهرى إلى المبالغة فى اعتقاد البشر أن الآخرين يشاركونهم قناعاتهم، ومن ثم يدفعهم إلى المزيد من التمسك بها، كما أنه يؤدى إلى تراجع التفكير النقدى، وسيادة التفكير الجمعى، ويزيد من فرص قبول سرديات غير حقيقية، ورفعها إلى مصاف الحقيقة غير القابلة للنقاش. وقد يسهم العدد الكبير لمستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى، فى التعدد اللانهائى لمنصات إعادة إنتاج وتدوير الأفكار، وترتبط ظاهرة المصادر الثانوية للمعلومات Secondhandinformation، وفقا لجيلوفيتش، باحتمالات كبيرة لتحريف الحقائق بسبب غياب المصدر الأصلى، وتعرض القصة لقدر ولو ضئيل، من التشوش مع كل مرة تتم فيها إعادة إنتاجها.

سرديات الخوف

تؤكد الدلائل أن الأشخاص يكونون أكثر ميلا لتصديق الرسائل الإقناعية الفارغة فى حالات التعب والإنهاك. كذلك يلعب عامل الخوف، والشعور بأن الأمر طارئا ولا يقبل المخاطرة أو التأخير، دورا فى الدفع لاتخاذ قرارات بعينها أو تجنب مخاطرات متصورة. ويؤدى هذا التوصيف إلى سيادة نوع من التفكير تحت ضغط الأزمة، وتغليب غريزة السلبية negativityinstinct، والتفكير بالاستباق، ونزعة توقع الأسوأ.

تشير العديد من الدراسات إلى أن الانحياز لتجنب الأذى أو دفع الضرر هو انحياز نفسى أساسى. ويرى روزلينج أن الخوف يؤدى إلى اضطراب الحكم، وتحظى تلك القصص، التى توظف نوعين أو أكثر من مشاعر الخوف بالاهتمام الأكبر. كما يرتبط ذلك بانحيازات أخرى تخدم سردية الخوف، منها الميل لتصديق الروايات السلبية، والاعتقاد دوما بأن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، والاعتقاد فى الحتميات والنهايات القدرية، والرغبة الدائمة فى إلقاء اللوم على مصدر الخوف، أو “شرير القصة”. وفى الأحوال الاعتيادية، فإن الأشرار عادة ما يكونون رجال الأعمال أو التجار الجشعين، والصحافة الكاذبة، أو الأجانب وعملائهم، أو اللاجئين، وسرديات المخاطر والشرور التى تروج فى ارتباطها بهم فى السياقات الشعبوية الصاعدة.

الأخطر من ذلك، أن السلوك المبنى على سرديات الخوف، وحسابات السيناريو الأسوأ، قد يصبح نوعا من النبوءة المحققة لذاتها Selffulfillingprophecy، حيث يؤدى سلوكنا المبنى على التوقعات مفرطة السلبية فى بعض الأحيان إلى تعديل البيئة الموضوعية ذاتها، بحيث تصبح بعض تلك السيناريوهات غير المرجحة، أكثر احتمالا.

ختاما، فإن ما سبق تناوله من انحيازات نفسية، يشير إلى المدى الذى يتأثر به إدراكنا للحقيقة بالكثير من العناصر ذات القدرة على إعادة صياغة، أو تشويش، أو اختزال الواقع. وتؤكد هذه الانحيازات قدرتنا على الخداع الذاتى وخلق أو تصديق حقائق موازية سعيا وراء الاتساق مع خبراتنا وقناعاتنا السابقة، أو بهدف الطمأنينة وتجنب الغموض، والأفكار المقلقة، أو الاتساق الأخلاقى أوتعزيز الثقة بالنفس، أو حتى لخدمة أهداف مصلحية مباشرة. ولا تتطرق هذه العوامل التى تناولها المقال إلى تضافر تلك الانحيازات مع العوامل الخارجية لتشويه الحقائق، مثل التضليل، والخداع، عبر التلاعب بالمعلومات أو حجبها، أو توجيهها، أو عبر استخدام ما تتيحه وسائل التكنولوجيا الحديثة من كم هائل من المعلومات والتفضيلات الشخصية الخاصة بالمستخدمين، والتى يمكن من خلالها التحكم بتوجهات البشر والتلاعب بخياراتهم.

مخاطر المنظومة الإلكترونية الإسرائيلية للتجسس على مواقع التواصل الاجتماعي – بسمة سعد

كشف تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في 16 يوليو 2018، عن مطالبة الجيش الإسرائيلى، خلال الفترة الأخيرة، لشركات الإنترنت الإسرائيلية بتزويده بمنظومة إلكترونية ضخمة تمكنه من رصد ومراجعة كل ما يتم تداوله، ونشره، وتخزينه على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك مراقبة الاتصالات الشخصية لمستخدمي تلك المواقع من أجل الحصول على جميع المعلومات عن أصحاب تلك الحسابات، لاسيما المغلقة والسرية. كما طلب أن تقوم تلك المنظومة بمنحه إمكانية لإنشاء حسابات وهمية، فضلاً عن مطالبته بمعرفة 500 صديق أو شخص تواصل، أو علق على، أو أضاف، أو خلق أى نوع من الاتصال بينه وصفحة الجيش الإسرائيلي.
كما حدد الجيش الاسرائيلي مجموعة من الكلمات الدالة التى بمجرد ورودها على أي من مواقع التواصل الاجتماعي، سيعطيها الأولوية لمراقبتها والتجسس عليها، وهي (إرهاب، ومقاومة، وقومية، ودين، وعلاقات اجتماعية، وتنظيمات، وسياسة، وأسماء الأحزاب السياسية ، وأسماء سياسيين، واقتصاد، ومستوى الحياة).
انطلاقاً مما سبق، يهدف المقال لقراءة الأبعاد الرئيسية لإنشاء تلك المنظومة، التى تعكس في الوقت ذاته الأهداف الرئيسية من إنشائها، إلى جانب عرض ما تحمله تلك الخطوة من دلالات، وذلك على النحو التالي:
أولاً- أبعاد المنظومة:  
تُعد مواقع التواصل الاجتماعي أداة مهمة للغاية  لما تطرحه من معلومات وما تُتيحه من مساحة كافية للتعبير عما يدور داخل العقل من مخططات وأفكار يسعي لترجمتها على أرض الواقع، وكذلك التعبير عما يشعر به الفرد في كلمات قد تكون مختزلة في بعض الأحيان لكنها تعكس وضعه الاجتماعي والاقتصادي وكذلك آراءه السياسية، هذا فضلاً عن كونها أداة مهمة لمعرفة تحركات الفرد من خلال تتبع الأماكن التى يُسجل الدخول إليها والأفراد الموجودين معه. ترتيباً على ما سبق، أدركت القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية أهمية تلك الأداة، ليس فقط لمتابعة ورصد ما يشهده المجتمع الإسرائيلي ونظيره الفلسطينى من تطورات، وإنما كذلك المجتمعات العربية، لتحقيق مجموعة من الأهداف تعكس الأبعاد الرئيسية لتلك المنظومة، على النحو التالي:
1- تطويق أمني:
جسدت كلمات (الإرهاب، والمقاومة، والتنظيمات) أحد الأبعاد المهمة والرئيسية لإنشاء تلك المنظومة التى هدف الجيش الإسرائيلي من خلالها إلى التنبؤ، ومحاولة منع أية هجمات أمنية من خلال القيام بهجمات وحملات اعتقال استباقية داخل الأراضي المحتلة مثلما سبق أن أفادت تقارير إسرائيلية في أبريل 2017 بقيام  جهاز الأمن الإسرائيلي باعتقال ما يقرب من 400 فلسطينى خلال شهر مارس من العام ذاته، سماهم “الذئاب المنفردة” دون ارتكابهم لأية جريمة، وإنما يعود فقط لرصد أحد البرامج الإلكترونية الإسرائيلية كلمات تُثير قلق الجانب الاسرائيلي مثل كلمتى (القدس، وشهيد)، فضلاً عن حرص القيادات الإسرائيلية على الاطلاع على جميع التطورات الأمنية التى تشهدها المنطقة من بروز تنظيمات متطرفة، أبرزها تنظيم”داعش”، والتى تفوقت في استخدام مثل تلك المواقع في تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية وجذب ذوى الميول المتطرفة للانضمام إلى صفوفها.
2- تعزيز الدبلوماسية الرقمية:
يسعي الجيش الإسرائيلي لقراءة جميع التغيرات النفسية والاجتماعية، وتتبع ظهور وتغير الظواهر الاجتماعية التى تشهدها المجتمعات المختلفة، ليس فقط داخل المجتمع الاسرائيلي ونظيره الفلسطينى، وإنما المجتمعات العربية كافة، وهو ما يجسده مطلب الجيش الاسرائيلي بمراقبة تلك المواقع بثلاثة لغات (العربية، والعبرية، والإنجليزية)؛ وذلك حتى يمكن التنبؤ بأى تغيير يمكن أن تشهده تلك المجتمعات كالتى شهدتها بعض الدول العربية في عام 2011 والتى لعبت مواقع التواصل الاجتماعي فيها دوراً مهما ورئيسياً، وهو ما أدركته القيادات الأمنية الإسرائيلية حينئذ، فأولت اهتماماً كبيراً بمراقبة ما يتم تدوينه على تلك المواقع في العديد من الدول، مثل البحرين وتونس ومصر، وتطوير برامج إلكترونية معنية بهذا الشأن، فضلاً عن سعي تل أبيب من خلال قراءة التغيرات النفسية والاجتماعية التى تمر بها المجتمعات، لاسيما فئة الشباب، لتغيير الصورة الذهنية للشباب العربي عن إسرائيل، وهو ما يأتى في إطار ما يُسمي “الدبلوماسية الرقمية” التي ترمي لخلق أواصر الحديث والتفاهم بينها وبين الشباب، لاسيما العربي، كسبيل لجذبهم بعيداً عن القضية الفسطينية وتبعاتها، وهو ما يجسده الدور النشط والفعال للمتحدث الرسمى باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى “أفيخاى آدرعى” الذي بلغ عدد متابعي صفحته الشخصية أكثر من  مليون و247 ألف متابع من مختلف دول المنطقة العربية.
استناداً لما سبق، يمكن تفهم السبب الذي بناء عليه وضع الجيش الإسرائيلي الكلمات التالية (علاقات اجتماعية، ومستوى الحياة، ودين، وقومية) ضمن الكلمات الدالة التى يعطي الجيش الاسرائيلي لمدونيها الأولوية في عمليات الرصد والمراقبة.
3-  محاولات خطرة:
يُعد هذا الأمر بعدا مكملاً للأبعاد السابقة، ويمكن قراءته بشكل افضل عقب أقرانه بهما؛ حيث يهدف الجيش الاسرائيلي من خلال تلك المنظومة للاطلاع على جميع الآراء السياسية التى يعبر عنها السياسيون والحقوقيون وأعضاء الأحزاب السياسية، لاسيما فئة الشباب الأكثر استخداماً وتفاعلاً على تلك المواقع، ليس فقط داخل الأراضي المحتلة، وإنما كذلك بجميع دول الإقليم، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال الكلمات الدالة التالية (سياسة، وأسماء الأحزاب السياسية ، وأسماء سياسين). فالأحداث التى تشهدها دول منطقة الشرق الأوسط من تطورات سياسية، مقرونة بحزمة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، قادرة على إحداث العديد من التغيرات، سواء على مستوى صانعي القرار السياسي بدول المنطقة، أو على مستوى النظام الحاكم كالتى شهدتها بعض الدول العربية في عام 2011،  ولا تزال تشهد تداعياته على جميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يراه الجانب الإسرائيلي تهديدا لأمنه القومي، ويفرض عليه تقديم رؤية استراتيجية وعسكرية تتسق مع مجريات الأوضاع في البلدان العربية.
ثانياً- دلالات الإنشاء: 
1- تميز أمنى سيراني إسرائيلي:
كشفت تحقيقات أجرتها منظمة الخصوصية الدولية حول البرامج الإلكترونية، المعنية برقابة مواقع التواصل الاجتماعي والتجسس الإلكتروني، عن أن هناك 27 شركة متخصصة في إنشاء مثل تلك البرامج في اسرائيل، فضلاً عن الوحدات التابعة للاستخبارات الإسرائيلية العسكرية المعنية بمتابعة ومراقبة جميع محتويات مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها الوحدة “8200” التى تولت مهمة رصد ومراقبة تفاعلات الشباب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما عقب ثورات الربيع العربي 2011، علاوة على عمليات الرصد والتشويش والتنصت على الهواتف والبث الإذاعي، واعتراض رسائل البريد الإلكترونى والفاكسات التى تتولى الوحدة بقواعدها المنتشرة على الأراضي المحتلة تنفيذها، والتى كانت عاملا رئيسيا لاحتلال اسرائيل المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد واشنطن في مجال التنصت.
2- تسييس محتمل: 
مثلما تُعد مواقع التواصل الاجتماعي أداة مهمة للجانب الاسرائيلي، فإنها كذلك مهدد قوي لأمنها القومي، نظراً لقدرتها على الحشد والتأثير بشكل واسع، لذا لجأت تل أبيب لتوظيفها ببث الشائعات والترويج لسياساتها عبر منصاتها، وهو ما يعكسه التنسيق والتعاون بين السلطات الأمنية الإسرائيلية، وإدارة موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في عام 2016، والذي دفع الأخيرة  لمراقبة المحتوى الفلسطيني على الموقع، وحذف المنشورات التى ترفضها إسرائيل.
انطلاقاً مما سبق، لا يمكن استبعاد خضوع باقي مواقع التواصل الاجتماعي لاتفاق كالذي عقدته إدارة “فيسبوك”، وبالتالي نجاح الجانب الاسرائيلي في “تسييس” مواقع التواصل الاجتماعي.
نهاية القول، إن تل أبيب لا تألو جهداً في انتهاج جميع الآليات التى تضمن تأمينها في إطار محيطها العربي، ولو بالحد الأدنى. وبما أن مواقع التواصل الاجتماعي تُعد بمنزلة أداة مهمة للغاية لمراقبة ورصد وتجميع كل التفاعلات والتغيرات متعددة الجوانب (سياسية، واقتصادية، وأمنية، واجتماعية) التى تشهدها تلك المجتمعات، فمن الطبيعي إدراجها ضمن الآليات التى يتحتم على الجانب الإسرائيلي تطويقها من خلال تطوير أنظمته اللإلكترونية.

ميت رومني: أضواء على رئيس الولايات المتحدة المحتمل – محمود حمد

يشير سجل رومني في الأعمال والسياسة إلى قدرته على الحسم وعدم تردده في اتخاذ القرارات الصعبة، وإذا ما تلاقى ذلك مع تقاليد الحزب الجمهوري والانتقادات المتوالية ضد سياسة أوباما الخارجية وبالذات فيما يتعلق بالشرق الأوسط فإنه يمكن توقع تحول في السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة يرأسها رومني.

“طلب الصعاب يقوي الرجال”

“The pursuit of the difficult makes men strong”

من مقولات ميت رومني المفضلة نقلا عن والده (1)

لا يعتبر ويلارد ميت رومني المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية من الشخصيات المعروفة خارج الولايات المتحدة، وبالذات في الوطن العربي. ومن ثم فان طبيعة شخصية رومني، وبالتالي سياسياته المتوقعة -إذا قدر له الجلوس على سدة الرئاسة في المكتب البيضاوي- تعد لغزا كبيرا للمتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء. ويمكن القول بوجود ثلاثة مفاتيح لسبر أغوار شخصية المرشح الجمهوري الذي قد يكون في أشهر قليلة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة: المفتاح الأول لفهم شخصية رومني هو خلفيته الدينية المختلفة عن كل رؤساء أميركا السابقين، أما المفتاح الثاني فيركز على أصول رومني العائلية، وسنيّ النشأة الأولى، ومشواره الدراسي، وأخيرا، فان المفتاح الثالث هو تجاربه المهنية والسياسية.

أولا: الخلفية الدينية

ينتمي رومني لكنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الآخر المعروفة إعلاميا بطائفة المورمون، وهو في ذلك يختلف عن كل رؤساء الولايات المتحدة السابقين.  فباستثناء جون فيتزجيرالد كيندى الكاثوليكي، انتمى كل رؤساء الولايات المتحدة إلى طائفة المسيحيين الإنجيليين وهى ديانة الأغلبية تاريخيا. والمورمون إحدى الأقليات الدينية الصغيرة في الولايات المتحدة، فهم يشكلون نحو 1.7% من السكان وهى نسبة تقارب عدد اليهود وتفوق عدد المسلمين والبوذيين. ويقدم المورمون أنفسهم باعتبارهم مسيحيين، ولكن الكثير من المسيحيين وبخاصة الأصوليون منهم يشككون في ذلك (2).

وتعتبر المورمون ديانة أميركية بامتياز؛ فقد تأسست الطائفة في ولاية نيويورك على يد جوزيف سميث الذي  نادى بنفسه نبيا مرسلا (3). وفي إبريل/نيسان 1840 وبعد نشر كتاب المورمون أسس سميث مع خمسة من أتباعه كنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الآخر في ولاية ميسوري، ولكن أهل الولاية تصدوا لهم وقاموا بطردهم، فهاجروا إلى ولاية إلينوي. وقد حققت الدعوة نجاحا لافتا في الفترة الأولى، ولكن الكثيرين وصموا سميث وأتباعه بالهرطقة، ولذلك أمر حاكم الولاية بإيداعه السجن هو واثنين من أتباعه لحين محاكمتهم، وفي 1844 ادعى جوزيف سميث بأنه قد تلقى إعلانا إلهيا بتعدد الزوجات، فثار عليه أهل المدينة، وهاجموا السجن، وحدثت معركة قتل فيها جوزيف وله من العمر 39 عاما. وعقب قتل جوزيف سميث تولى القيادة بعده بريجهام ينج، فقاد المئات من أتباعه إلى ما يعرف الآن بولاية  يوتاUtah  هربا من الاضطهاد، حيث عملوا بالزراعة، وقاموا ببناء حاضرة كبيرة في الصحراء “سولت ليك سيتي”. وتاريخيا استمر تعرض أبناء الطائفة للاضطهاد، الأمر الذي دفع الكثيرين من أبناء الطائفة وبينهم جد رومني للهجرة إلى المكسيك حيث ولد جورج رومني. ولكن الأسرة اضطرت للعودة للولايات المتحدة بعد اندلاع الثورة في المكسيك وقيام الثوار بتهديد الرعايا الأميركيين.

ويؤمن أتباع الطائفة بالإنجيل، وإن كانوا يعتقدون أنه قد أصابه التحريف، ولذلك، فإن كتاب “مورمون” هو كلمة الله غير المحرفة. ويدعي المورمون أنهم قد أحيوا الكنيسة الحقيقية التي أسسها السيد المسيح، وأن المسيحية قد عاشت في الارتداد والوثنية لمدة 18 قرنا حتى جاء سميث فأعلن الحق وأعاد الإنجيل الصحيح الذي فُقد (إنجيل المورمون). ويؤمن المورمون كذلك بأن السيد المسيح سيبعث في القدس، ولكنه سيؤسس دولته في القارة الأميركية، وتحديدا في ولاية ميسوري. ويمتنع المورمون عن المسكرات وشرب الشاي والقهوة، ويحرصون على زيادة عدد أعضاء الكنيسة، ولذلك يتزوجون مبكرا وينجبون العديد من الأبناء كما يحرصون على التبشير بديانتهم في الولايات المتحدة وخارجها (4). وتعتبر الأسرة من الركائز المقدسة في المجتمع المورموني ويمتنع أبناء الطائفة عن إقامة علاقات خارج إطار الزواج، كما تقف الكنيسة موقفا صلبا ضد الإجهاض ومثلي الجنس.

وقد سببت الاختلافات العقائدية وبخاصة تعداد الزوجات الكثير من الإشكالات السياسية تاريخيا للكنيسة. فقد منع الكونجرس الاعتراف بيوتاه كولاية مستقلة، ووضعت “مقاطعة الصحراء” كما كانت تعرف تحت الحكم الفيدرالي المباشر من واشنطون. وبهدف الحصول على الاعتراف بمقاطعتهم كولاية أصدرت الكنيسة بيان 1890 الذي حظر تعداد الزوجات، وتم النص على هذا الحظر في دستور الولاية كشرط من شروط الانضمام إلى الولايات المتحدة.

وتعمل الكنيسة على زيادة النفوذ السياسي للطائفة، حيث يعتبر المرمون من الأقليات الفاعلة في الساحة السياسية الأميركية، ولا يفوقهم في حجم تمثيلهم السياسي بين الأقليات على المستوى الفيدرالي غير اليهود.  فعلى الرغم من أن المورمون يشكلون 1.7% من المجتمع، ولأن أغلب هذه النسبة من الأطفال دون الثامنة عشرة الذين لا يحق لهم التصويت، فإن عدد أعضاء الكونجرس من أبناء الطائفة يبلغ العشرة بنسبة تبلغ 2.3%، وتزيد النسبة إلى 5% في مجلس الشيوخ بمن فيهم زعيم الأغلبية الحالي السيد هارى ريد.

شكل 1: النسبة المئوية لتمثيل الأديان المختلفة في المجتمع ومجلسي النواب والشيوخ (2011-2013)

وعلى الرغم من هذا النفوذ السياسي، وتحسن النظرة المجتمعية نسبيا في السنوات الأخيرة، فإن رجل الشارع لا يعرف الكثير عن هذه الطائفة التي تُبقى طقوسها وعقائدها سرا لا يطلع عليه الغرباء من غير أبناء الطائفة (5).  ولذلك، فقد حرص ميت رومني على عدم لفت الأنظار لانتمائه الديني، وبخاصة خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري حيث تنتمي كتلة كبيرة من الناخبين لليمين الديني المحافظ.  ومن الملاحظ أن الفيلم الدعائي الرسمي الذي أصدرته حملته الانتخابية ومدته أكثر من عشر دقائق يخلو من أى ذكر عن الدين، وهو أمر شديد الغرابة لمرشح ينتمي للحزب الجمهوري حيث أغلب مناصري الحزب من المتدينين (6). كما يخلو التقديم الرسمي من أية إشارة للفترة التي قضاها رومني في فرنسا للتبشير بديانته. وربما تكون هذه الخلفية أهم الأسباب التي دفعت رومني لاختيار بول راين كشريك في التذكرة الانتخابية الرئاسية. فراين الكاثوليكي المعروف بانتمائه الديني المحافظ يعد من الشخصيات السياسية المفضلة لدى قطاعات عريضة من الناخبين المتدينين الذين مافتئوا يساورهم الشك في معتقدات رومني الدينية.

ثانيا: النشأة والتعليم

ولد ميت رومني في ولاية ميتشجان في 12 مارس/آذار 1947، وهو ينتمي لذلك إلى جيل Baby Boomer  الذي ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد عودة المقاتلين من جبهات القتال. وقد ولد ميت لعائلة ميسورة وذات نفوذ سياسي كبير؛ فوالده جورج رومني كان من كبار رجال الأعمال والسياسة في ولاية ميتشجان؛ فرومني الأب شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة السيارات الأميركية American Motors Corporation بين عامي 1954-1962، ثم انتخب حاكما لولاية ميتشجان لثلاث دورات 1963-1969، وبعد ذلك شغل منصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية 1969-1973. وقد سعى السيد رومني للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 1968، ولكنه خسر بطاقة الترشيح إمام ريتشارد نيكسون الذي حظي بتأييد الحزب وانتخب رئيسا. أما والدة ميت، السيدة ليونور رومني، فقد انخرطت في الحياة السياسية، وترشحت دون توفيق عن الحزب الجمهوري في انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية ميتشجان عام 1970. ويبدو أثر العائلة كبيرا في حياة ميت رومني، الذي تتبع خطوات والده ووالدته في مجال المال والأعمال ومن ثم الترشح للمناصب السياسية على مستوى الولاية والحكومة الفيدرالية.

وقد تلقى رومني تعليمه في مدرسة كرانبروك الخاصة في ضواحي ديترويت، وهى المدرسة المفضلة لأبناء النخبة في المدينة. وبعد انتهائه من دراسته الثانوية التحق رومني بجامعة ستانفورد المرموقة ولكنه ترك دراسته بعد عام واحد للقيام بخدمة الكنيسة. ومثله مثل والده، وكحال الكثير من أبناء طائفة المورمون، فقد تطوع ميت رومني للتبشير في الخارج حيث قضى في فرنسا 30 شهرا كاملة (7). وتمنح فترة التبشير في الخارج أبناء الطائفة فرصة الاحتكاك بالعالم الخارجي وتعلم اللغات الأجنبية. ولذلك، فإن أبناء الطائفة من أكثر الطوائف تمثيلا في بعثات الولايات المتحدة في الخارج.

وبعد عودته من بعثته التبشيرية التحق ميت رومني بجامعة بيرجهام ينج حيث حصل على درجته الجامعية الأولى. وتعتبر الجامعة المعروفة اختصارا بـ BYU من أفضل جامعات الولايات المتحدة، ويمتاز طلابها بالدأب والرغبة في التحصيل. ولكونها جامعة الكنيسة، ولإيلائها اهتماما خاصا بتدريس الديانة المورمونية، فإن الأغلبية الساحقة من طلابها من أبناء الطائفة، ومعظمهم قد قام بتأدية بعثته التبشيرية، ولذلك فهم أكبر سنا وأكثر نضجا من نظرائهم من طلاب الجامعات الأخرى. وعند تخرجه، التحق ميت بأحد أكثر البرامج تميزا بجامعة هارفارد العريقة، حيث حصل رومني على إجازة الحقوق وماجستير إدارة الأعمال في آن معا (8). ويبدو أن اختيار هذا الطريق المزدوج وليد تنازع الاهتمامات الشخصية والضغوط العائلية في تشكيل مستقبل السيد رومني، فبينما فضل ميت دراسة إدارة الأعمال بهدف العمل في القطاع الخاص، كان رومني الأب يدفع ابنه لدراسة الحقوق، وهى الباب الأبرز للولوج في عالم السياسة في الولايات المتحدة. وفى النهاية فقد اختط رومني طريقا جمع فيه بين الهدفين. وتشير قدرة رومني على الالتحاق بهذين البرنامجين الدراسيين إلى دأبه وتنوع مداركه وقدرته على التحصيل والإجادة (9).

ثالثا: الحياة العملية

وبعد تخرجه من هارفارد بدأ رومني حياته العملية في مجال المال والأعمال وبصفة خاصة تقديم الاستشارات الإدارية للشركات. واستطاع رومني في 1977 الحصول على وظيفة مرموقة في “باين وشركاؤهBain & Company” التي ترقى فيها سريعا ليشغل منصب الرئيس التنفيذي. وفى عام 1984 أسس رومني مع بعض من زملائه شركة أخرى هي باين للاستثمارات  Bain Capital التي حققت نجاحا مدويا ومكنت رومني من تكوين ثروة كبيرة ساعدته على الانخراط في الحياة السياسية. وعندما تعرضت باين وشركاؤه لمصاعب جمة في بداية التسعينات من القرن الماضي استُدعي رومني لإنقاذ الشركة فاتخذ إجراءات حازمة، فقلص حصة مؤسسي الشركة بمقدار النصف، وأجرى اقتطاعات كبيرة على المرتبات والمكافآت، وفصل نصف الموظفين، وتفاوض بضراوة مع المقرضين. وقد مكنت هذه الإجراءات الحازمة الشركة على تخطى مصاعبها (10).

وعادة ما يشير رومني ومناصروه إلى نجاحه في قطاع الأعمال الخاص كأحد مصادر تفوقه على الرئيس باراك أوباما الذي قضى معظم حياته العملية في المجالين الأكاديمي والسياسي. ويركز رومني على قدرته على خلق الوظائف وإيجاد الظروف الملائمة للقطاع الخاص للانطلاق. ويكتسب هذا أهمية كبيرة في السباق الرئاسي 2012 بسبب عدم تعافي الاقتصاد الأميركي حتى الآن من آثار الأزمة الاقتصادية، وبسبب معدلات البطالة المرتفعة التي لم تستطع سنوات حكم الرئيس أوباما تخفيضها بشكل ملموس. ولكن أوباما ومناصريه يشيرون إلى أن نجاحات رومني تحققت على حطام الكثير من الشركات التي أغلقت، والعديد من العاملين الذين فقدوا وظائفهم بسبب إقامة مصانع خارج الولايات المتحدة وبالذات في الصين للاستفادة من رخص الأيدي العاملة المدربة.

ويعد الدور الذي لعبه رومني في تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة سولت لايك سيتي إحدى المحطات الهامة التي يركز عليها الخطاب الانتخابي للمرشح الجمهورى؛ فمدينة سولت لايك سيتي عاصمة ولاية يوتا حاضرة المرمون في الولايات المتحدة كانت على موعد مع تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية بعد أشهر قليلة من الحادي عشر من سبتمبر 2011. ونظر الكثير إلى ذلك باعتباره مؤشرا على تعافي الولايات المتحدة من هذه الضربة المؤلمة. ولكن عملية التنظيم شابتها فضائح عدة شملت قضية رشوة دولية، وتحقيقات قضائية فيدرالية، واستقالة أعضاء اللجنة المنظمة، وانسحاب الراعيين الرئيسيين (11). وعرض رئيس اللجنة العليا على رومني تولى إدارة اللجنة المنظمة في ظل هذه الظروف لمحاولة إنقاذها من الفشل المتوقع، وهو التحدي الذي قبله رومني ونجح في تحويل الدفة في خلال أشهر قليلة. وأصبح هذا الإنجاز محطة انطلاق لرومني في مجال السياسة كقائد قادر على تخطى الصعاب، ومدير ناجح في حشد الكفاءات في مجال العمل العام كحاله في قطاع المال والأعمال. وقد أبرز رومني هذا الإنجاز في كتيب ألفه حول تجربته في الألعاب الأوليمبية (12). ويعكس قرار رومني بالموافقة على الانخراط في هذا التحدي بعضا من طبيعة شخصيته المغامرة من جهة، وارتباطه الشديد بالكنيسة من جهة أخرى. حيث اعتبر الكثيرون أن الفشل الذي كان متوقعا للألعاب الأوليمبية في حاضرة المورمون فشلا للكنيسة وقيادتها بسبب الدور المسيطر الذي تلعبه الكنيسة في إدارة المدينة والولاية.

واتخذ رومني من هذا النجاح محطة للانطلاق في عالم السياسة، حيث ترشح لمنصب حاكم ولاية ماساتشوستس بعد شهر واحد من انتهاء الألعاب الأوليمبية. فبعد عامين من الفشل في الفوز بعضوية مجلس الشيوخ عن الولاية نجح رومني في الفوز بمنصب حاكم ماساتشوستس. وعادة ما يشير رومني إلى نجاحه في القضاء على عجز كبير في موازنة الولاية قدر ب 1.5 بليون دولار كدليل على قدرته على محاربة العجز الهائل للحكومة الفيدرالية ومكافحة التضخم الكبير في حجم الدين العام للولايات المتحدة (13). ولكن رومني حرص على عدم لفت الأنظار خلال الانتخابات التمهيدية بالذات إلى إنجازه الأبرز خلال ولايته المتمثل في قانون ماساتشوستس للرعاية الصحية، الذي شمل تغطية تأمينية طبية للغالبية الأعظم من ساكني الولاية للمرة الأولى في تاريخ أى ولاية أميركية. ويشبه هذا القانون إلى حد كبير قانون أوباما للرعاية الصحية الذى يلقى معارضة عاتية من الحزب الجمهوري واليمين المحافظ. وقد حرص رومني مثله مثل أى سياسي متمرس على تبيان الفوارق بين قانونه وقانون أوباما بهدف التأكيد على اتجاهه لتقليص دور الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد والمجتمع.

وبعد انتهاء ولايته كحاكم، سعى رومني لتحقيق الحلم الذي عجز رومني الأب عن تحقيقه. فقبيل يوم واحد من انتهاء ولايته في 4 يناير/كانون الثاني 2007 أعلن رومني عن انخراطه في المنافسة بهدف الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 2008. ورغم تقدمه المبدئي فان الحملة الانتخابية سرعان ما تراجعت ليفوز جون ماكين بترشيح الحزب. لكن رومني المعروف بدأبه استمر خلال الأعوام الأربعة الماضية في بناء قاعدة تأييد داخل الحزب وفى جمع المال اللازم لخوض غمار حملة انتخابات تمهيدية ممتدة ومكلفة. وقد مكن ذلك ميت رومني من أن ينال شرف الترشح عن الحزب الجمهوري كأول مرشح من المورمون.

ماذا نستطيع أن نستنتج من ذلك؟

يشير سجل رومني في مجال الأعمال والسياسة إلى قدرته على الحسم وعدم تردده في اتخاذ القرارات الصعبة، وإذا ما تلاقى ذلك مع تقاليد الحزب الجمهوري في السياسة الخارجية والانتقادات المتوالية ضد سياسة أوباما الخارجية وبالذات فيما يتعلق بالشرق الأوسط (الصراع العربي- الإسرائيلي وتطورات الربيع العربي) فإنه يمكن توقع تحول في السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة يرأسها رومني. ومن المنطقي أن يثير ذلك قدرا من التوجس في العواصم العربية وبالذات دول الربيع العربي التي تولت فيها أحزاب تنتمي للتيار الإسلامي السلطة. وهناك الكثير من مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية القريبة من الحزب الجمهوري تريد للولايات المتحدة أن تمارس قدرا أكبر من التأثير في تشكيل البنية السياسية والدستورية للدول العربية التي تتحول إلى الديمقراطية. وعلى العكس من أوباما الذي لا يربطه ود كبير برئيس الوزراء الإسرائيلي نتينياهو فإن رومني لا يخفى تأييده الكامل لإسرائيل وساستها، وقد حرص المرشح الجمهوري على أن تكون إسرائيل إحدى الدول القلائل التي قام بزيارتها منذ فوزه بترشيح حزبه للرئاسة. كما حرص على تأكيد دعمه الكامل للدولة العبرية وسياستها. وقد أثار رومني كثيرا من الاستهجان عندما ألمح خلال زيارته للقدس إلى أن اختلاف الثقافة تفسر تخلف الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية عن نظيره الإسرائيلي (14). ولم يحمل هذا إعجابا مطلقا بإسرائيل فحسب وإنما نظرة استعلائية تجاه الثقافة العربية والإسلامية تماثل كثيرا مما يردده كتاب اليمين المحافظ في الولايات المتحدة. ويشير ذلك إلى احتمالية سياسة خارجية أميركية أقل تفهما للمصالح العربية وأكثر اقترابا من سياسية إسرائيل في المنطقة إذا ما قدر لرومني الجلوس في المكتب البيضاوي في يناير/كانون الثاني القادم.
_____________________________________
محمود حمد – أستاذ مساعد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعتي القاهرة (مصر) ودراك (الولايات المتحدة)

كيف السبيل إلى الارتقاء بسياسات الجامعات العربية إلى المستوى العالمي؟ مصطفى قطبي

دأبت المراكز الدولية المهتمة بتقييم الجامعات وتصنيفها دولياً على إصدار تقارير دورية مطلع كل عام جديد تتضمن تصنيفها بحسب قدراتها العلمية وإنجازاتها وسمعتها في الأوساط الجامعية من خلال إنجازات مدرسيها وباحثيها وطلبتها وتفاعلها مع مجتمعاتها، وتلبيتها لمتطلبات سوق العمل.

 

تحظى نتائج تقارير تصنيف الجامعات في العادة بتغطية إعلامية واسعة في مختلف بلدان العالم، وباهتمام خاص من لدن بعض حكوماتها. نستعرض بهذه الدراسة أحدث تقييم عالمي لأفضل الجامعات العالمية لعام 2019 حيث صدر مؤخراً تصنيف جريدة التايمز البريطانية الذي تضمن تصنيفا لأفضل ألف ومائتي جامعة في العالم. ويعتمد هذا التصنيف بشكل أساسي على خمسة معايير هي: التعليم، والبحث العلمي، والاستشهادات البحثية والدخل الذي تحققه الجامعات من الصناعة، والظهور على الساحة الدولية. وكما في العام الماضي، تصدرت الجامعات البريطانية والأميركية قوائم التصنيف، لكن بعضاً منها تراجع تصنيفه، في حين أظهرت الجداول تحسناً ملحوظاً في تصنيف الجامعات الآسيوية وخاصة الجامعات الصينية، في حين لا تزال جامعات أميركا اللاتينية وإفريقيا تكافح لتحسين موقعها.

 

التعليم العالي العربي:

بالنسبة للمشهد العربي، فقد تضمنت قوائم التصنيف لهذا العام أربع جامعات مغربية، ودخلت جامعة بغداد التصنيف العالمي للمرة الأولى رغم الظروف الصعبة التي مر بها العراق. كذلك تضمنت قوائم التصنيف لهذا العام تسع عشرة جامعات مصرية، وست جامعات جزائرية، إضافة إلى عدد آخر من الجامعات العربية، ولعل من المفيد استعراض مشهد التعليم العالي الدولي للتعرف على مواقع جامعاتنا عالمياً، ومتابعة تطور مواقع الجامعات العالمية على الساحة المحلية والدولية، والجهود التي تبذلها لتحسين مواقعها في ظل منافسة عالمية شديدة، وعسى أن يشكّل ذلك حافزاً لوضع إستراتيجيات وخطط عمل للنهوض بجامعاتنا العربية كي تأخذ الموقع الذي تستحقه ضمن هذا المشهد.

 

إفريقيا لها حصة كبيرة:

تصدرت جامعات جنوب إفريقية تصنيف الجامعات الإفريقية، وتصدّرت جامعة كيب تاون تسع جامعات جنوب إفريقية ظهرت ضمن التصنيف العالمي، واحتلت المرتبة 156 عالمياً، تليها جامعة ويتواترسراند المصنفة ضمن النطاق 201-250، وجامعة ستيلينبوش التي تقع في النطاق 301 ـ 350. والملفت للنظر أن مصر أصبح لديها 19 جامعة ضمن التصنيف العالمي للجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأميركية بالقاهرة، وجامعات تدخل التصنيف لأول مرة هما جامعة بنها وجامعة بني سويف، إضافة إلى جامعتي كفر الشيخ والمنصورة، وكلّها يقع في المجال 601 – 800 من التصنيف. أما جامعة القاهرة فقد جاءت في النطاق 801 ـ 1000، وكذلك جامعة الإسكندرية.
وكان للجزائر ستة مواقع في التصنيف، لكن أياً منها لم يقع ضمن أفضل 800 جامعة. أما المغرب فلديها أربع جامعات، في حين حصلت جامعات كل من نيجيريا وتونس على ثلاثة مواقع لكل منها، في حين كان لكل من غانا وكينيا وتنزانيا وأوغندا مؤسسة واحدة لكل منها.

 

اليابان أول آسيا:

كان لجامعات اليابان النصيب الأكبر من الجامعات الآسيوية، وتجاوزت اليابان للمرة الأولى المملكة المتحدة كثاني أكثر دولة تمثيلاً في القائمة بعد سنوات من التراجع والركود، وتحسن ترتيب الجامعتين الرائدتين في اليابان تحسنا ملحوظا، فصعدت جامعة طوكيو أربعة مراكز لتحتل المركز 42 هذا العام متخطية بذلك عدداً من الجامعات المرموقة كجامعة الكندية، وجامعة ميونيخ التقنية في ألمانيا، وجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا. ويعود سبب ارتفاع جامعة طوكيو في جدول التصنيف إلى التحسن الكبير في مجالي التدريس والبحث العلمي، وإلى علاقتها الوثيقة مع القطاع الصناعي. وفي الوقت نفسه، قفزت جامعة كيوتو تسعة مراكز لتحتل هذا العام المرتبة 65 عالميا.

واحتلت الصين المرتبة الرابعة في قائمة أكثر الدول تمثيلاً على مستوى العالم، حيث ضمت القائمة 72 جامعة صينية. واحتفظت سبع جامعات صينية بموقعها في قائمة النخبة أي ضمن أفضل مئتي جامعة. وحلّت جامعة تسينغهوا بأدائها المتميز محل جامعة بكين كأفضل جامعة صينية وتبوأت المرتبة 22 عالمياً، في حين تراجعت جامعة بكين إلى المرتبة 31. ويعود سبب التقدّم الكبير الذي شهدته جامعة تسينغهوا هذا العام إلى تحسن كبير في بيئة التدريس وزيادة كبيرة في إنتاج البحوث العلمية بما يتجاوز إنتاج جامعات أميركية عريقة كجامعتي برينستون وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا .

 

مكاسب الجامعات الآسيوية:

ومع أن العديد من الجامعات الآسيوية حققت مكاسب مهمة هذا العام، إلا أن أغلبية الجامعات الهندية راوحت مكانها أو تراجعت، وهي تكافح في ظل تزايد المنافسة العالمية، إذ غابت الجامعات الهندية عن قائمة أفضل مئتي جامعة في العالم. وجاء المعهد الهندي للعلوم ضمن النطاق 251 ـ 300 في جداول التصنيف، وهذا أعلى تصنيف تحققه جامعة هندية ضمن قائمة هذه العام. أما سنغافورة وهي دولة لا تتجاوز مساحتها 721 كم2 فلديها جامعتان ضمن قائمة أفضل مائة جامعة في العالم، علماً أن جامعة سنغافورة الوطنية هبطت مرتبة واحدة لتصبح 23 عالمياً، على حين ارتفعت جامعة نانيانج التكنولوجية إلى المرتبة 51 عالمياً.

 

أوروبا:

صحيح أن جامعتي أكسفورد وكامبريدج تصدرتا جدول التصنيف العالمي لعام 2019 مرة أخرى، وأن 98 مؤسسة تعليمية بريطانية لها ترتيب في هذا الجدول، إلا أن المملكة المتحدة تراجعت إلى المرتبة الثالثة للدول صاحبة المؤسسات التعليمية الأكثر تمثيلاً، بعد أن تقدّمت عليها اليابان، لكنها حافظت على موقعها كثاني أكثر الدول تمثيلاً في قائمة أفضل 200 دولة على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة.

 

العلوم والآداب الفرنسية:

وفي فرنسا، كانت جامعة باريس للعلوم والآداب أول مؤسسة فرنسية تدخل في قائمة أفضل 50 جامعة في العالم منذ عام 2011. والجدير بالذكر أن هذه الجامعة تأسست عام 2010 نتيجة دمج 25 مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات البحثية الواقعة في منطقة باريس. وقد حققت جامعة السوربون ثاني أفضل تصنيف للجامعات الفرنسية، حيث حلت في المركز الثالث والسبعين. والسوربون الحالية جامعة تأسست عام 2018 ونتجت عن اندماج جامعتي بيير وماري كوري وجامعة باريس ـ السوربون مع عدد من الجامعات الأصغر حجماً. أمّا ألمانيا فلا تزال الدولة الثالثة الأكثر تمثيلاً في قائمة أفضل 200 جامعة في العالم، وتضم 23 جامعة، ولديها 47 جامعة في الترتيب العام، بقيادة جامعة لودفيغ ماكسيميليان (ميونيخ) التي حققت المرتبة 32 عالمياً. وأمّا سويسرا، فقد منيت بخيبة أمل كبيرة جراء تراجع المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ من المركز العاشر إلى المركز الحادي عشر عالمياً! في حين قفزت جامعة زيوريخ  46درجة لتصل إلى المركز 90 عالمياً. ولدى سويسرا عشر جامعات في قائمة تايمز لأفضل الجامعات العالمية، يقع سبع منها في قائمة النخبة، وهي قائمة تضم أفضل 200 جامعة عالمياً.

 

روسيا تزيد حضورها:

زادت جمهورية روسيا الاتحادية من حضورها في قائمة هذا العام ـ مع وجود 35 جامعة ومؤسسة تعليم عال روسية ضمن الجداول، أي بزيادة 8 جامعات عن العام الماضي. واحتفظت جامعة لومونوسوف موسكو الحكومية، وهي الجامعة الرائدة في روسيا، بمكانتها البارزة ضمن أفضل مائتي جامعة في العالم، لكنها تراجعت خمسة مراكز عن ترتيب العام الماضي لتحتل المركز 199 عالمياً. واحتفظ معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا بموقعه ضمن أفضل 300 جامعة عالمية وكثاني أفضل مؤسسة في البلاد. كما انضمت المدرسة العليا للاقتصاد إلى نطاق301 ـ 350 وكذلك استمرت الجامعة الوطنية للبحوث النووية في الارتفاع، لتصل إلى النطاق 351 ـ 400 بعد أن أدخلت تحسينات على محاور التعليم والتعلم، والبحوث العلمية، والتعاون الدولي.


أميركا اللاتينية:

استطاعت البرازيل أن تحقق أعلى حضور لها على الإطلاق، على الرغم من المنافسة الدولية المتنامية، إذ نجد 36 جامعة برازيلية في ترتيب هذا العام أي بزيادة مقدارها 32 جامعة عن تصنيف العام السابق، وعلى رأسها جامعة ساو باولو التي احتلت موقعاً لها ضمن النطاق 251 ـ 300. وللمكسيك 17 جامعة في الترتيب العالمي، أي بزيادة مقدارها 6 جامعات عن تصنيف العام السابق، ومع ذلك فإنها تواجه تحديات خطيرة بما في ذلك استنزاف المواهب ومحدودية التمويل العام. أمّا التشيلي فلديها 16 جامعة بزيادة ثلاث جامعات ؛ وهناك سبع جامعات كولومبية، وخمس جامعات أرجنتينية، والبيرو لديها جامعتان.

 

إيران حاضرة والعراق يدخل التصنيف العالمي:

إيران هي الدولة الأكثر تمثيلاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية من حيث عدد الجامعات في تصنيف تايمز للتعليم العالي لعام 2019، فقد تضمنت قائمة التصنيف 29 جامعة إيرانية، على حين كان عدد الجامعات الإيرانية 18 جامعة في تصنيف العام الماضي. وعلى الرغم من أن مؤسستها التعليمية الرائدة، جامعة بوبول نوشيرفاني للتكنولوجيا، انزلقت من المرتبة 350 إلى المرتبة 400 عالميا في هذا العام، إلا أنها ما زالت تتصدر الجدول العالمي من حيث تأثير الاستشهادات البحثية وهذا يشير إلى أن هذه الجامعة، على الرغم من أنها ليست مؤسسة بحثية عالمية كبرى، قد أنتجت العديد من الأوراق البحثية التي يُستشهد بها بكثرة في البحوث العلمية هذا العام.

 

وأما العراق فقد دخل هذا العام جدول التصنيف لأول مرة منذ 15 عاماً، فقد صنفت جامعة بغداد ضمن أفضل ألف جامعة في العالم وجاءت في النطاق 801-1000، وكانت أهم نقاط القوة لديها تأثير الاستشهادات والتعاون البحثي الدولي.

 

الولايات المتحدة أكثر تمثيلاً:

وتبقى الولايات المتحدة الدولة الأكثر تمثيلاً في جدول تايمز لتصنيف الجامعات لعام 2019 حيث مُثلت بـ172 جامعة، مع أن أغلبية جامعاتها (130 جامعة) بقيت مكانها أو تراجعت في جدول الترتيب. صحيح أن ستين جامعة أميركية تقع ضمن مجموعة أفضل 200 جامعة في العالم، إلا أن عددها كان في العام الماضي 62 جامعة.

جاءت جامعة ستانفورد في المرتبة الثالثة من حيث الأداء بعد جامعتي أكسفورد وكامبريدج البريطانيتين، لكن معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، صاحب المركز الثالث في العام الماضي، والذي جاء على رأس قوائم التصنيف بين عامي 2012 و2016، فقد المزيد من النقاط هذا العام، وانخفض مرتبتين إضافيتين ليحتل المركز الخامس. وحققت جامعة هارفارد المرتبة السادسة في التصنيف العام، والمرتبة الثالثة في معيار البحث العلمي (بناء على معايير الحجم والدخل والسمعة)، وأتت خلف جامعة أكسفورد التي تتصدر هذا المعيار، وكذلك خلف جامعة كامبريدج.

ويرى إيلي بوثويل، محرر التصنيفات العالمية في ملحق التعليم العالي بجريدة التايمز، أن مكانة جامعات الولايات المتحدة يمكن وصفها بأنها في حالة «ركود»، أو في حالة «انخفاض تدريجي متواضع»، حيث يمكن أن تؤدي التخفيضات في تمويل التعليم العالي، والتشدد في سياسات الهجرة، والمنافسة العالمية المتزايدة إلى تآكل هذه المكانة أكثر.

 

كندا ونصيب وافر:

أما كندا، فلديها 27 مؤسسة تعليم عالٍ في قائمة 2019. وجاءت جامعة تورونتو مرة أخرى على رأس الجامعات الكندية. وصنفت جامعة مونتريال ضمن أفضل مئة جامعة عالميا لأول مرة منذ عام 2013، حيث ارتفعت 18 مرتبة لتبلع المركز 90، وانضمت ثلاث جامعات كندية أخرى لأفضل 200 جامعة هذا العام، وهي جامعة أوتاوا في المركز 176، والجامعة الغربية في المركز 190 وجامعة كالجاري في المركز 199. ويقول بوثويل إن كندا لديها فرصة فريدة في مشهد التعليم العالي العالمي، إذ أصبحت أكثر انفتاحاً على العالم مقارنة ببريطانيا والولايات المتحدة اللتين أصبحتا أكثر انغلاقا. ومن المرجح أن تؤدي المبادرات الحكومية الرامية إلى زيادة عدد الطلاب الأجانب وتقديم دعم إضافي لهم إلى تحسين قطاع التعليم العالي القوي بالفعل.

 

أستراليا:

هناك أدلة تشير إلى ركود الجامعات في أستراليا، حيث فقد العديد من الجامعات الأسترالية مكانته وسمعته، في مواجهة تخفيضات في التمويل والمنافسة العالمية المتزايدة. ومع ذلك فما زال هناك 35 مؤسسة تعليم عال أسترالية في تصنيف تايمز العالمي للجامعات، وتسع منها جاءت ضمن أفضل مئتي جامعة، وعلى رأسها جامعة ملبورن التي بقيت في المركز 32 عالميا. لكن تجد أستراليا صعوبة في الحفاظ على الجامعات ومراكز البحث ذات المستوى العالمي من خلال تخفيضات في التمويل. فلا بد للجامعات من استثمارات قوية كي تتفوق، فتجذب أفضل المواهب العالمية وتحافظ عليها.

 

التنافس في التعليم العالي:

يلاحظ من مشهد التعليم العالي العالمي مدى التنافس الكبير القائم بين مؤسسات التعليم العالي في العالم في سعيها لتحسين مكانتها ومرتبتها العلمية على مستوى العالم. وكي تحقق ذلك فهي تبذل الجهد وتضع الإستراتيجيات وخطط العمل للتطور في جميع المجالات، أي في بيئتها التعليمية، والبحث العلمي، والشراكات العلمية مع الصناعة وأرباب العمل، والظهور على المستوى العالمي، كذلك فهي تتنافس على استقطاب أفضل المواهب والكفاءات العلمية للعمل لديها أو للدراسة فيها وتضع في سبيل تحقيق ذلك أفضل المغريات.

 

Exit mobile version